حشد (شمبوب).. ثقاب آخر في برميل الشرق المشتعل

الخرطوم: الزين عثمان

يقول عضو مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، يسبقه رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في توصيف الأزمة إنها أزمة سياسية تتعلق بالتمثيل السياسي والمشاركة، يغلق مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة الطرق هناك، يهاجم رئيسه، الناظر سيد محمد الأمين ترك الجميع، في وقت يردد فيه أنصاره (بجا دولة)، ويرفعون لافتات رفضهم لمسار الشرق الذي وقع على اتفاق سلام يخص المنطقة بجوبا.
وفي كسلا تعيد مجموعة رسم سيناريوهات المشهد الشرقي بإقامتها تجمعاً في منطقة (شمبوب)، يعلن دعمه لمسار الشرق والتحول الديمقراطي، ورفضه في المقابل إستراتيجيات إغلاق الطرق التي يتبناها الطرف الآخر، مما يعني أن ثقاباً جديداً يضاف لبرميل البارود المشتعل هناك، ويفتح الباب أمام سيناريوهات غير مأمونة العواقب.

1
في الأنشطة السابقة كان مناصرو ترك يرفعون اللافتات الرافضة لمسار الشرق، بينما ارتفعت في تجمع شمبوب اللافتات المرحبة بالمسار، وهو ما يفاقم من حالة الانقسام الحاد في المنطقة، وعلى أسس قبلية، وهو ما يعزز من فرضية حدوث المواجهة في أي لحظة، لكن وكمن يحاول أن يكتب صك البراءة لموقفه، يرفض رئيس مسار الشرق، خالد شاويش، نعت ما جرى في “شمبوب” بأنه تجمع قبلي أو عنصري، بل هو حشد من أجل إنسان الشرق الذي خرج متمسكاً بمسار الشرق الموقع باتفاقية جوبا، وأضاف أن مسار الشرق لا يمثل قبيلة أو جهة أو نظارة، بل يمثل كل أهل الشرق، وأن الذين خرجوا مساندين له ينتمون لكل شرق السودان، وليس من مكون واحد، وأضاف: “قضيتنا قومية وعادلة وسنعمل على دعم المسار الذي يهم كل أهل الشرق، لذا ندعو دعمه”، مشيراً إلى أن مسيرتهم كانت سلمية ولم تجنح لأي عنف سواء كان لفظياً أو بدنياً، وختم شاويش تصريحاته لـ(السوداني) قائلاً إنّ قضيتهم الأساسية هي تحقيق التنمية والخدمات بالشرق، وأن ينال إنسان الشرق نصيبه من السلطة والثروة.
2
أكد والي ولاية كسلا المكلف، الطيب محمد الشيخ، لـ(السُّوداني)، هدوء الأوضاع الأمنية بولايته، قبل وبعد اللقاء، ونوّه إلى عدم حدوث أي احتكاكات بين مؤيدي ورافضي اتفاقية مسار شرق السودان. وحديث الوالي عن هدوء الأوضاع هو ذاته ما يعيد عجلة التاريخ للوراء في متابعة ما يجري في الشرق حيث اشتعلت الأوضاع أول ما اشتعلت هناك، حيث شهدت المدينة أول حالة احتجاج، وإغلاق للمدينة قادها رئيس مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة التي شهدت أحداث عنف وسقوط ضحايا اضطرت الحكومة لأن ترسل تعزيزات عسكرية لفرض السلامة العامة، قبل أن تعود الأمور لنصاب استقرارها، الذي سرعان ما اشتعل مرة أخرى عقب تسمية صالح عمار والياً للولاية، في ظل رفض من مكونات محلية انتهى بها الأمر لفرض رؤيتها، وإجبار رئيس مجلس الوزراء لإصدار قرار بإقالته من منصبه الذي لم يباشره في الأساس، وهو ما يعزز فرضية اللا مبالاة التي تعاملت بها السلطات الرسمية مع الأوضاع في الشرق.
3
بالنسبة لكثيرين فإن إقامة تجمع شمبوب تحت لافتة المجلس الأعلى لنظارات شرق السودان، يعتبر تطوراً جديداً وخطيراً في الوقت ذاته، خصوصاً أن المشاركين فيه انتقلوا من موقف احتجاجهم عبر البيانات بقولهم إن ترك لا يمثل الشرق، إلى خطوة أخرى تتعلق بانتهاج أسلوب الحشد الجماهيري ذاته، في مواجهة حشد جماهيري آخر، مع تباين المواقف حول القضايا موضوع الجدل في شرق السودان في اللحظة الراهنة، وهو أمر يشير إلى أن تطورات الأوضاع الراهنة ما كان لها أن تتم، في حال تم التعاطي مع الأمر بشكل مغاير، وبنظرة تتعلق بأن شرق السودان هو بوابة الأمن القومي السوداني، الأمر وصل إلى هذه الدرجة، في الوقت الذي وصف فيه رئيس مجلس السيادة ما يجري في الشرق بأنه مجرد خلاف سياسي، وأن أغلق الطرق، واحتل الميناء، وأوقف الأنشطة في مطار بورتسودان، وأوقف حركة الصادر والوارد ، ودفع بوزير الطاقة للتحذير من أزمة في الموارد البترولية؛ بسبب الإغلاق المنطلق من مجرد كونه موقف رفض سياسي.
4
بالنسبة لعضو مجلس السيادة، محمد الفكي، فإن النقاش حول ما يمكن أن يحدث في الشرق، انطلق قبل عملية تنفيذ مجلس النظارات للإغلاق، لكن أحد منسوبي المكون العسكري جاء رده بقوله: “علينا ألا نستبق الأحداث وعلينا انتظار ما تؤول إليه الأوضاع”، وحين وصلت الأوضاع لطريق الإغلاق صرح رئيس مجلس السيادة لقناة (العربية)، قائلاً إن مهمة فتح الطرق ليست من صميم مسؤوليات القوات المسلحة ومعها كل قضايا الأمن الداخلي، وأن الحل لما يحدث هناك هو أن يذهب وفد من المركز للتفاوض مع من يغلقون الطرق والوصول إلى تفاهمات في هذا الجانب، يذكر أن الحكومة كانت قد أعلنت عقب تنفيذ الإغلاق عن إيفاد مسؤولين للمنطقة، وهو ما لم يحدث في الواقع، حيث إنه لم يغادر الوفد، وبالطبع لم تكشف الحكومة عن أسباب عدم مغادرته، وإن كانت كل المؤشرات تؤكد أن ثمة تبايناً كبيراً في التعامل مع القضية بين مكونات السلطة الانتقالية. وفي كلمته في أعقاب فشل المحاولة الانقلابية قال رئيس الوزراء إن المحاولة سبقتها عملية تتريس في الشرق ـ في إشارة للفلول، وهي التصريحات التي رفضها مجلس نظارات البجا، واعتبرها محاولة للهروب من تنفيذ الالتزامات التي تم التوافق عليها، وطالب ترك في خطابه رئيس الوزراء بالاستقالة من منصبه.
5
يحذر مراقبون من مشهد التطورات الجديدة في شرق السودان في أعقاب تحرك المكونات الأخرى في الإقليم وهي تنطلق في الأساس من رفضها لإستراتيجيات تبناها مجلس النظارات في إغلاق الطرق وغيرها مع ارتفاع نبرة (التمثيل)، هذه التحركات مقرونة بحالة تباين بين مكونات السلطة الانتقالية في التعامل مع الملف، يجعل الشرق كله على فوهة بركان قابل للاشتعال في أي لحظة خصوصاً أن ثمة اتهامات تلاحق مجموعات المسار المختلف حوله بأنها خلف هذا الحشد؛ الأمر برمته يتطلب دوراً محورياً من الحكومة في السعي لإيجاد معالجة لقضايا الشرق بعيداً عن حسابات المكسب والخسارة في بعدها الذاتي والحزبي لصالح السودان واستقراراه، فوضع الشرق بحالته الراهنة يزيد من حدة المخاوف ليس على المرحلة الانتقالية الهشة، وإنما على السودان برمته.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.