“حماس في السودان” مصادرة الممتلكات مقابل التطبيع!

 

* الخرطوم / الهادي محمد الأمين

اتجهت الحكومة مؤخراً لتجفيف وتفكيك ما تبقى من وجود لحركة حماس بالبلاد، وعمدت السلطات إلى مصادرة جميع أصول وممتلكات الحركة المرتبطة بالنشاط التجاري والاقتصادي، مثل الفنادق، والعقارات، والشركات متعددة الأغراض، وأسماء الأعمال، وآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، هذا فضلاً عن الصرافات المختصة بعمليات حركة تحويل الأموال لحماس، وحسابات شركات وأفراد يعملون لصالحها، وتجميد أرصدتهم بالعملات المحلية والأجنبية، في عدد من البنوك السودانية.
في الوقت ذاته الذي طالبت فيه السلطة الفلسطينية في رام الله، وعلى لسان أحمد مجدلاني وزير الشئون الاجتماعية في حكومة محمود عباس أبو مازن – طالبت السلطات بالخرطوم بتسليم الأصول المصادرة والمنقولات للحكومة الفلسطينية، باعتبار أن هذه الثروات تعتبر ملكاً للشعب الفلسطيني، ووصف المسؤول الفلسطيني قرار المصادرة بأنه قرار سليم، وقال أحمد مجدلاني إن الخرطوم اتخذت قراراً حكيماً، وفي مقابل ذلك نفت حركة حماس وجود أي استثمارات لها بالسودان.
وقال الناطق الرسمي باسم الحركة، حازم قاسم، رداً على قرارات الحكومة السودانية الخاصة بمصادرة أملاك حماس، إن الحركة لا تمتلك أي أصول أو منقولات بالسودان وأن المصادرات التي اتخذت مؤخراً طالت استثمارات وممتلكات رجال أعمال فلسطينيين اكتسبوا أعمالهم وتجارتهم وفقاً للقانون، وناشدت حماس في بيان لها البرهان وحمدوك التدخل لإيقاف حالات التعرض للفلسطينيين في الخرطوم تحت ذريعة أن ممتلكاتهم تتبع للحركة.
(1)
رغم سقوط نظام الإنقاذ وذهابه عبر الثورة الشعبية لكن ظلت الشبكات المرتبطة بحركة حماس قائمة وفاعلة، وتتحرك في فضاءات واسعة ما بين الخرطوم والدوحة وبيروت وإستانبول وطهران، ففي العام 2019 أرسلت واشنطن للخرطوم قائمة بأسماء شركات ومؤسسات أكدت أنها تتبع لحركة حماس وحزب الله اللبناني، وشددت واشنطن أن إكمال ملف التطبيع مع الخرطوم مرتبط لحد بعيد بتصفية أي نشاط سري لحماس أو حزب الله، كما أكدت أن ذلك يعتبر شرطاً مطلوباً لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما ظلت تردده تل أبيب منذ فترة طويلة، متهمة الخرطوم بإيواء قيادات حماس والجهاد، وتقديم تسهيلات لحزب الله، وفتح حدود السودان لإيران بهدف إيصال السلاح لقطاع غزة عبر سلسلة جبال البحر الأحمر، ومن خلال معبر رفح وميناء العريش البري، وتسليمها لحماس في قطاع غزة، وشكلت محاولة اغتيال أحد قادة كتائب عز الدين القسام، عبد اللطيف الأشقر، في بورتسودان في العام 2011 علامة توضح شكل العلاقة بين الخرطوم وحماس، علاوة على تحويل ونقل الأموال، ولم تتوقف ضغوط واشنطن وتل أبيب على الخرطوم، الأمر الذي دفع الحكومة السودانية قبل عدة أيام لاتخاذ إجراءات هدفت للسيطرة بالكلية على أصول وموارد مربحة، شكلت مركز دعم وإسناد لحركة حماس لأكثر من ثلاثين عاماً، ووفقاً لما ظهر حتى الآن، فإن الممتلكات المصادرة تشمل “عقارات، أسهم شركات – شامكو للتنمية المحدودة، فندق برادايس بوسط الخرطوم، مكتب صرافة للتحويلات المالية “فيحاء”، أكثر من مليون فدان من الأراضي الزراعية، وسلسلة مطاعم، وأن جملة الموجودات والأصول الثابتة والمنقولة تقدر قيمتها بنحو مليار ونصف المليار دولار، غير الاحتياطات المالية، وقد تزامن ذلك مع إجراءات القبض على تجار فلسطينيين يتعاملون بالنقد الأجنبي خارج القطاع المصرفي، فزوال الحكومة التي كانت تشكل ظهيراً إقليمياً لحماس، ووجود سلطة جاءت على النقيض من توجهات الإنقاد، كان ظرفاً مسهلاً ومساعداً للمضي قدماً في تجفيف وجود حماس ومصادرة ممتلكاتها.
(2)
فالإجراءات التي اتخذت مؤخراً سبقتها قرارات مماثلة تمت قبل فترة طويلة سارت في الاتجاه ذاته عبر محورين:
– المحور الأول: استهدف أحد الحركيين الفلسطينيين المرتبطين بشكل غير مباشر مع حماس، الذي ظل ولفترات طويلة يعوم في بركة من الأموال والثروات ويُدعى ماهر سالم رباح، الذي يعتبر الساعد الأيمن لعبد الحي يوسف، وبحسب إجراءات لجنة إزالة التمكين، فإن ماهر سالم رباح ورفيقه الفلسطيني الآخر بسام حسن يمتلكان (18) شركة واسم عمل وقرابة الـ(36) ألف سهم وحصة في شركة الرويان للحفريات، وشركات أخرى للتنقيب عن الذهب والمعادن النفيسة، فضلاً عن (34) عقاراً و(24) شقة استثمارية وسكنية من مجمعات شركة الديار القطرية، وامتلاك شركة الأندلس، المشغل والمالك لقناة (طيبة) الفضائية، حيث تردد في ذلك أن هذه المجموعة تعمل على نقل وتحويل الأموال من الخليج للخرطوم وتبييض ملايين الدولارات، ولها صلات واضحة بحركة حماس.
– والمحور الثاني: استهدف مجموعة من الفلسطينيين المرتبطين بشكل مباشر مع حركة حماس أمثال “محمد هاني، محمد سابل، عماد الدين ممدوح، محمد سفيق الفرا، أيمن محمود الشامي وخالد السكياب”، كما تمت مصادرة مجموعة شركات حسان والعابد للإنشاءات والتشييد التي كانت تعتمد على مخلفات آليات شركات الهجرة ووادي العقيق المملوكة في السابق لأسامة بن لادن، حيث تمت مصادرة شركات حسان والعابد من الفلسطيني مجاهد محمد حسان الذي تم القبض عليه في وقت سابق خلال محاولة عبوره معبر رفح البري، وتم العثور بحوزته على ما يصل لقرابة (100) مليون دولار، تم احتجازها من قبل المصريين قبل دخوله للأراضي الفلسطينية، كما تمت أيضاً إجراءات مصادرة مجمع الرواد السكني جنوبي الخرطوم ومشروع البداية الزراعي.
(3)
كانت الخرطوم وطيلة حكم البشير مهبطاً ومحطة لاستقبال قيادات المجموعات الأصولية حول العالم، واحتضنت عدداً كبيراً من الرموز، غير أن العلاقة مع حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، كانت ذات خصوصية، فقررت إبقاء رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد، كما كانت تستقبل على مدى سنوات زعيم ومؤسس حركة حماس الشيخ أحمد يسن، وخليفته عبد العزيز الرنتيسي، وقادة المكتب السياسي للحركة أمثال “خالد مشعل، محمود الزهار، موسى أبو مرزوق، إسماعيل هنية، أسامة حمدان، وإبراهيم غوشة، كما أنها احتفظت بمنير سعيد ممثلاً أو رئيساً لمكتب الحركة في الخرطوم، الذي غادر لليمن في وقت متزامن مع مغادرة أسامة بن لادن للبلاد، في العام 1996، بعد استجابة الخرطوم لمطالب أمريكية بضرورة ترحيل الرجل الذي خلفه على إدارة المكتب جمال عيسى، الذي غادر هو الآخر في العام 2003 بعد رفض أمريكي لوجوده بالسودان، واحتفظت الخرطوم بعد إغلاق مكتب حماس بمكتب تمثيل مدني حمل مسمى مركز الأقصى للإعلام بحي العمارات بالخرطوم، الذي كان يقف عليه عدد من كوادر حماس، كما أسس داعمون لحماس جمعية أنصار الأقصى في حي المعمورة شرقي الخرطوم، التي يقف على نشاطها محمد حسن طنون رئيساً لمجلس إدارتها، ومهدي إبراهيم، وقطبي المهدي، والصادق محمد علي الشيخ، وعدد من قيادات الأخوان المسلمين وشباب آخرون أمثال محمد عبد الله شيخ إدريس، ويدير المنظمة أبو باسل الفلسطيني عبد الحافظ الضبّان، الذي شغل من قبل منصب مدير مكتب لجنة مسلمي إفريقيا بالسودان، ومن أبرز مؤيدي المنظمة خارج الخرطوم مجذوب الأزرق إمام وخطيب المسجد الكبير بالقضارف، وسيرت المنظمة جسراً جوياً وقوافل إغاثية بالتنسيق مع حركة الأخوان المسلمين لفك الحصار عن غزة، وجاءت هذه القوافل حاملة شعار (أميال الابتسامة) وصلت حتى قطاع غزة، كما تم تكوين “رابطة نساء لأجل القدس” و”برلمانيون من أن أجل القدس” و”القدس بوابة السماء”، واستضافت الخرطوم المؤتمر الثامن لمؤسسة القدس الدولية في العام 2011، وتبع المؤتمر افتتاح مكتب السودان الذي كان يقوده محمد حسب الرسول، وقد منح عمر البشير في ذلك الوقت قطعة أرض لصالح المؤسسة التي كانت تتخذ من حي العمارات مقراً لانطلاقة نشاطها، بجانب تأسيس “وقف القدس الخيري بالسودان” و”استراحة القدس” جنوبي الخرطوم، وقد شكلت المواعين الخيرية مورداً ومصدراً لدعم حركة حماس التي وجدت تسهيلات من الحكومة، وتعمل هذه المؤسسات تحت مظلة “ائتلاف الخير العالمية” التي يقودها يوسف القرضاوي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بزعامة علي الغرة داغي، الذي كان يزور البلاد بين فترة وأخرى، وفتحت الخرطوم بابها لحماس لتأسيس واجهات أخرى مثل الشبكة العالمية للمؤسسات الداعمة للقدس، ورابطة رجال أعمال لأجل القدس، وتم توجيه وزارة المالية وديوان الزكاة الاتحادي لتضمين وإدراج مشاريع هذه المؤسسات داخل برامج المالية والزكاة، وإقرار الاتحاد العام لنقابات عمال السودان في عهد إبراهيم غندور لاستقطاعات مالية من مرتبات العاملين بالقطاع العام دعماً لحماس التي ضاعفت من مواردها بعد انعقاد أعمال اجتماعات مكتب الإرشاد العالمي للأخوان المسلمين برئاسة محمد بديع الذي انعقد في الخرطوم في العام 2012 بالتزامن مع انعقاد المؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية الذي شهده قادة حركة حماس، موصياً في مخرجاته التأكيد على دعم حماس، وحينما تم اختيار الزبير أحمد الحسن أميناً عاماً للحركة الإسلامية السودانية، أكد في خطابه أن مساندة حركة حماس يعتبر أهم بند في جدول أعمال حركته كبرنامج يندرج في سلم أولوياتها، ولعل هذا ما دفع خالد مشعل خلال مخاطبته لمراسم تأبين الزبير أحمد الحسن، في رمضان الماضي، للقول إن حماس فقدت أبرز داعميها ومناصريها بالسودان.
(4)
واليوم تتجه الحكومة التي بدأت مشوار تحسين علاقاتها الخارجية مع واشنطن، ورسم خارطة طريق مع تل أبيب من خلال مشروع التطبيع واتفاقيات إبراهام للسلام الخرطوم لتنظيف سجلها من موروثات النظام البائد والتخلص مع الحمولة التي خلفتها الإنقاذ من خلال مسح وكنس كل الآثار التي تربطها سواء بحزب الله اللبناني أو حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، حيث اعتبرت حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية أن تطبيع النظام السوداني العلاقات مع تل أبيب “هدية مجانية لإسرائيل”، وقال المتحدث باسم الحركة داؤود شهاب: “النظام الانتقالي بالخرطوم ينزلق بالسودان نحو الحضن الإسرائيلي، ويقدم هدية مجانية لدولة الاحتلال، ويدفع من قوت الفقراء والمشردين من الشعب السوداني أموالاً طائلة ثمناً لنيل الرضا الأمريكي”. وأضاف: “إنهم بذلك يسجلون كتاباً أسوداً في تاريخ السودان”، فبحسب الجهاد وحماس فإن كل ما يجري حالياً يرجع في أصله لعمليات تطبيع علاقات الخرطوم مع كل من تل أبيب وواشنطن.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.