البوني
(1 )
لن نبعد النجعة اذا قلنا إن زيارة السيد ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي للسودان في 30 سبتمبر المنصرم ،كان أهم حدث وقع في السودان مؤخرا، فالزيارة حدث اقتصادي ضخم مرفوع بالية سياسية أضخم . البنك الدولي دون شك هو سيد المؤسسات المالية الدولية وياما هتفنا ضده في السودان ( لن يحكمنا البنك الدولي) يوم ان كان في السودان وفي العالم يسار غير ( جزافي) والكلمة المقوسة لأستاذنا عبد الله علي ابراهيم فقد كنا نراه أحد أهم وسائل الاستعمار الحديث في السيطرة على ثروات العالم الآخر . لم يتغير البنك الدولي فهو مازال ثابتا مستمرا في سياساته التي أنشئ من أجلها ،نحن الذين تغيرنا فالظروف والدنيا حكمت علينا ان نفعل كل ما نستطيع لخطب وده والجلوس تحت قدميه فالحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه هاهو الآن يستجيب لنا بزيارة رئيسه للخرطوم وإلقائه لخطاب البنك السنوي في قاعة الصداقة ويتغزل فيه في السودان.
(2 )
احتفى إعلامنا احتفالا كبيرا بزيارة السيد ديفيد مالباس خاصة اذاعة أم درمان فكانت سيرته الذاتية تتردد طوال اليوم على آذاننا فعرفنا يوم مولده ودراسته وخبراته وزوجته الصحفية ولغاته الأربع وأولاده الاربعة ولم يبق لنا الا أمران مؤجلان هما يوم رحيله ونوع صبغة شعره فالأول سوف يأتي ونسمع به أكان ما متنا قبله والثاني فقد شاهدنا تلك الصبغة الحالكة السواد على ما تبقى من شعره من خلال الشاشة . شيء واحد تردد كثيرا ولم أفهم مغزاه وهو ان زيارة ديفيد مالباس أتت بعد خمسين عاما من زيارة آخر رئيس للبنك الدولي للسودان وهو روبرت ماكينمار . ما لم يذكره المرددون لهذه العبارة ان ما كينمارا قد زار السودان في ظروف سياسية مشابهة لزيارة مالباس هذه فساعتها كانت حكومة نميري خارجة من معركة شرسة مع الحزب الشيوعي السوداني فأتى الرجل لدعهما سياسيا وبذل لها الوعود اقتصاديا . المعروف عن ماكينمارا انه من الداعمين لنظرية التركيز التنموي وهي نقيض لنظرية التنمية المتوازنة، فهو يرى ان تقوم المشاريع التنموية على المعطيات الاقتصادية فقط ولا تستصحب اي قيم أخرى كالعدالة والمساواة والوطنية والذي منه وأظن ان السودان مسك في هذه النظرية الى ان وصلنا مثلث حمدي والديون المتلتلة.
(3 )
رغم اللمز الذي ورد أعلاه للبنك الدولي إلا اننا يجب ان نعترف بان البنك الدولي (ود ناس) مقارنة مع توأمه صندوق النقد الدولي، فالأخير هو صاحب الروشتة والوصفة القاسية، أما البنك فهو يقوم بدور التمويل فقط وهو غالبا ما يمول المشاريع التنموية بقروض طويلة الأمد وبأرباح قليلة جدا مع فترة إعفاء طويلة وقابلية متكررة لإعادة الجدولة لكن في النهاية ما بخلي حقه ولن يتنازل عن أرباحه وكلنا شفنا قبل أيام حكاية القروض التجسيرية . ومع كل هذا فاننا نرى ان زيارة ديفيد مالباس لنا فيها الكثير من البشريات فالرجل لم يقصر معنا فقد جاءنا (شايل الفرح ) قدمنا للعالم بصورة زاهية ولكن ستكون المسألة في جاهزيتنا .البنك الدولي الآن قد أقرضنا وفتح لنا باب القروض ودعا لنا المستثمرين فاذا تعاملنا مع ذلك بنفس طريقة تعاملنا بعد زيارة ماكينمارا سوف تنتهي المسألة بمديوينية قوامها عشرات المليارات ودولة معزولة ومبادرة الهيبك والذي منه (نفس الفليم)، أما اذا تعاملنا معها بمسؤولية كما فعلت الكثير من الدول، فسوف نعبر ، وغدا نفصل أكثر إن شاء الله.
Comments are closed.