الخرطوم : وجدان طلحة
عندما صرخت مدير قناة (العربية والحدث) بالخرطوم، الإعلامية لينا يعقوب، على الهواء مباشرة ورددت (لا حول الله)، لأنها شاهدت عربات الشرطة وهي تحاول دهس المتظاهرين بموقف شروني، العالم كله يشاهد هذه الجريمة ضد مواطن أعزل خرج ليعبر عن حق كفلته القوانين والمواثيق الدولية .
أمس أصدرت الشرطة بياناً أكدت فيه أن المواطن مجتبى عبد السلام تم دهسه بواسطة عربة الشرطة، هل البيان يمكن يكون بداية لتحسين العلاقة بين الشرطة والمواطنين التي بدأت تتدهور منذ (3) سنوات، كما يرى كثيرون؟ ولماذا أصدرت الشرطة البيان بعد (7) أيام من استشهاد مجتبى؟ وهل دعوة الشرطة للمواطنين بالتبليغ عن الجرائم التي يتعرضون لها ستعيد بريق العلاقة بينهما؟ .
مقاطع مزورة
مراقبون أكدوا أن الحديث عن اعتداء الشرطة على المتظاهرين ليس جديداً، وبعضها موثق في مقاطع فيديو، إلا أنها لم تجد رواجاً، لأن بعض منسوبيها يقولون إنها مزورة، ويبثها الثوار عبر مواقع التواصل الاجتماعي لخلق فجوة بين الشرطة والمواطنين .
بعد سقوط نظام الرئيس السابق تعرض بعض المتظاهرين لاعتداء من قبل الشرطة، مما دفعها لإصدار بيان تؤكد خلاله أنها تقوم بدورها كامل تجاه المواطنين، لكن بعض الثوار قاموا برشق بعض منسوبيها بالحجارة، واضطرت إلى استخدام أبسط الوسائل للدفاع عن نفسها .
تسيير موكب
بعد استشهاد مجتبى أصدرت الشرطة بياناً قالت فيه إن الشهيد توفي نتيجة لحادث مروري أثناء المظاهرات، هذا الأمر أغضب الثوار، ونشط بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي في إرسال فيديوهات توثق للانتهاكات التي ارتكبتها الشرطة تجاه المواطنين، ووعدوا بأن المواكب القادمة سيتم خلالها توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها الثوار، مطالبين بإقالة وزير الداخلية ومدير عام الشرطة، بينما طالب بعضهم بتسيير موكب إلى مقر رئاسة الشرطة إذا لم تعترف الشرطة بمسؤوليتها عن حادثة استشهاد مجتبى عبد السلام .
وكانت لجنة الأطباء المركزية أعلنت في بيان لها تعرض بعض الثوار إلى عمليات دهس بواسطة سيارات الشرطة يتلقون العلاج بعدد من المستشفيات .
خبراء قانونيون أشاروا إلى أن ما تقوم به الشرطة الآن تجاه المواطنين يمكن أن يجد إدانة من مجلس الأمن الدولي، باعتبار أنها تقوم بقتل المواطنين دون أن تحرك السلطات ساكناً، بالتالي يصبح أمر حماية المواطنين يحتاج تدخلاً دولياً كما حدث في دارفور.
بيان هزيل
الخبير القانوني المعز حضرة أشار، في تصريح لـ(السوداني)، إلى البيان الذي أصدرته الشرطة حول استشهاد المواطن مجتبى عبد السلام، لا يسمن ولا يغني من جوع، مشيراً إلى أنه تم إصداره بعد (7) أيام من الحادثة، هذا البيان لا يسمن لا يغني من جوع وهذا مقتل انسان أسبوع؟، وأضاف: (هذا بيان هزيل وكنت أتمنى لا يصدر من الشرطة التي لها إرث عريق) .
واتهم الشرطة بقتل بعض المتظاهرين، مستفيدة من الحصانات، لافتاً إلى أن هذا البيان رغم تأخيره، إلا أن من دوافع إصداره أنه تم توثيق عمليات دهس وقتل المتظاهرين وفق قناة (الحدث) الفضائية .
وقال إن الشرطة صمتت خلال الفترة السابقة عن إدانة كثير من الجرائم التي ارتكبها منسوبوها، لكنها أصدرت بياناً هزيلاً بعد أن أدان شاهد العالم كله اعتداء الشرطة على المتظاهرين، وأضاف: “الشرطة كانت تدعي دائماً أن منسوبيها لا يحملون السلاح، لكن ثبت في الفترة الأخيرة عكس ذلك، والأمر موثق في مقاطع فيديو .
وطالب بتقديم قيادات الشرطة إلى محاكمة عادلة في قتل الثوار، وقال إن الشرطة شرطة السودان، وليس لسلطة أو حكومة معينة .
خطوة ممتازة
الخبير الشرطي عمر عثمان، اعتبر، في تصريح لـ(السوداني)، أن إصدار بيان من الشرطة حول نتائج دهس الشهيد مجتبى خطوة ممتازة، وأضاف: “لا أقول إن العلاقة بين الشرطة والمواطنين ممتازة، لكن الشرطة تقوم الآن بدورها ومن خلال الرصد فإن قيادات الشرطة تنتهج منهجاً إيجابياً تجاه المواطن والشارع”، مستدركاً: “صحيح نحن لسنا راضين كل الرضاء عن الشرطة لكن هناك دور على الشرطة وآخر على المواطنين، ويجب ألا يكون الهجوم على الشرطة فقط في حالة التقصير، نحن الآن في دولة العالم الثالث، وتوجد مشاكل ولماذا لا نشكرها، مثلما ننتقدها” .
وقال: “لأول مرة الشرطة تتصرف سريعاً، واصدرت 3 بيانات، الأول وجد رفضاً واسعاً، أما الثاني فكان إيجابياً، والأخير ظهرت فيه نتائج التحقيق المبدئي”، وأضاف: “إذا مضت الشرطة بهذا المنوال ستعيد الثقة مع المواطنين”، مشيراً إلى أن المجتمع الذي يعادي الشرطة يجب أن يكون له استعداد لعقد مصالحة مع المجرمين”.
بيان الشرطة
وأعلنت الشرطة، بأن الشهيد (مجتبى عبد السلام)، الذي سقط في مليونية الخميس الماضي، تم دهسه عبر دفار الشرطة، كما تم التعرُّف على حامل الطبنجة، الذي ظهر في مقطع فيديو على قناة (الحدث).
وقالت الشرطة في بيان لها أمس “بالإشارة للبيان السابق الخاص بحراك الخميس الماضي، والظروف والملابسات حول وفاة أحد المتظاهرين (مجتبى عبد السلام)، تؤكد رئاسة الشرطة وصول بلاغ عبر وكيل نيابة الخرطوم يفيد بأن المذكور تعرّض لدهس بواسطة ناقلة شرطة (دفار شرطة) مموه، وتم تحرير أورنيك 8 جنائي، ولم يعد المبلغ لتكملة الإجراءات، وأضافت: “بالتواصل مع المُبلِّغ تلفونياً أفاد بأنه خارج العاصمة، مع العلم بأن هنالك مجموعة أخرى من الأشخاص تقدمت للنيابة باتهام دورية الشرطة استناداً على مقطع الفيديو الذي تم تداوله في الوسائط بأنها تسبّبت في الحادث”.
وأوضحت الشرطة أنها شكّلت فِرقاً للبحث والتحري وجمع المعلومات للوصول الى الحقائق مجردة. ومضت في القول: “ومن خلال التحريات اتّضح بأن إفادة المبلِّغ قريب المتوفي صحيحة، وتم تحديد مكان الحادث جنوب موقف شروني، وتم تحديد الدفار من ضمن الآليات المستخدمة في نقل القوات المتعاملة مع المتظاهرين واتخاذ الإجراءات اللازمة في مواجهة السائق وفقاً للبيِّنات التي دُوِّنت بمحضر التحري”.
وكشفت الشرطة بأنه تم التعرُّف على حامل الطبنجة، الذي ظهر في مقطع فيديو على قناة الحدث، واتخاذ الإجراءات اللازمة للوقوف على الظروف والملابسات المُحيطة.
وقالت إنه توجد حالات تعدٍّ وطعن وإصابات لأفراد الشرطة، وتم استخدام مواد حجبت الرؤية سكبت على زجاج مركبات الشرطة وإتلاف للإطارات بأدوات صُنعت خصيصاً لذلك، وأيضاً الاعتداء على دوريات الارتكاز شمال شرق شروني في اتجاه جسر المسلمية خارج نطاق التعامل.
ودعت رئاسة قوات الشرطة في بيانها للالتزام بالسلمية “وتجنب الفوضى وعدم التربص بالقوات، مع التزامنا التام القيام بواجباتنا في حماية المواطنين والمواقع الإستراتيجية. وندعو الجميع للتعاون معنا لحفظ الأمن وتطبيق شعار الأمن مسؤولية الجميع، ومنع الجريمة واجبٌ على الكافة وفق القوانين والأعراف السائدة.
الفلسفة الجديدة
العلاقة بين الشرطة والمواطنين قد لا تكون ودية 100% ، لكن هذا الأمر من العلوم التي يتم تدريسها بكليات الشرطة أحياناً عندما تنفذ القانون يغضب المواطنون، لكن ذلك يصنف في الإطار الطبيعي .
فقدان الثقة أو التحامل عليها بدأ منذ 2018م وهذا الأمر لم يجد اهتماماً من الشرطة أو المجتمع ، حتى وصل الأمر بينهما الي هذه الدرجة. الخبير الشرطي عمر عثمان قال لـ(السوداني) إنه عندما بدأت العلاقة تتدهور بين الشرطة والمواطن لم يتم عمل مدروس لتحسينها لا من الشرطة أو المجتمع، وراهنوا أن الزمن كفيل بمعالجتها، مشيراً إلى أن الفلسفة الجديدة أن العلاقة بينهما تكاملية، وأضاف: “إنه بعد الاحتجاجات ظهرت العلاقة العدائية وحالة الدهس كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير .
ولم يستبعد ان يكون هناك من يشوه صورة الشرطة، مستدركا: “صحيح توجد جرائم لكن الشرطة تقوم بدورها وأعيب عليها القصور الإعلامي وتكتفي بالبيانات في الأحداث” .
9 طويلة
بعد انتشار كثير من الجرائم حتى بوسط الخرطوم ، أصبح بعض المواطنين يحملون أسلحة نارية وأخرى بيضاء يدافعون بها عن أنفسهم، بحجة أن الشرطة أصبحت عاجزة عن حمايتهم، بدليل أن الجرائم يتم ارتكابها وضح النهار، وتعتبر جراائم 9 طويلة من الجرائم التي أزعجت المواطنين، وأصبحوا وعندما يلقون القبض على المتهمين يلحقون بهم أذى جسيماً ولا يتم تسليمهم للشرطة .
الشرطة دعت المواطنين إلى الاتصال بالشرطة إذا تعرضوا لحوادث نهب من تلك المجوعات، وبحسب خبراء فإن الشرطة تريد أن تقول إنها موجودة وتريد محاصرة 9 طويلة بمساعدة المواطنين، معتبرين أن الاعتداء على أولئك المجرمين سلوك إجرامي، مستدركين: “من حق المواطن أن يدافع عن نفسه وماله ، لكن يجب أن يكون هناك تناسب بين الخطر والفعل الذي تقوم به، وأي تصرف زايد يعتبر سلوكاً إجرامياً، لافتين إلى أن للمجرمين حقوقاً وهي المعاملة الإنسانية” .
إرث الشرطة
الفريق شرطة عابدين الطاهر كتب مقالاً حول حادثة دهس الثوار إلى أين نحن سائرون، ومتى يستقيم الأمر وتتم المحاسبة لكل مجرم حدثته نفسه بقتل الأنفس ، وتساءل كيف يجرؤ شرطي باستخدام سيارة الشرطة لإزهاق الأرواح؟ هل أمن العقاب، واستباح الأرواح، وهو الشرطي الذي يعلم أن أوجب واجباته حمايتها والضود عنها؟، داعياً الشرطة لإصدار بيان يؤكد القبض على طاقم العربة ومواجهتهم بالاتهام تحت مادة القتل العمد، نعم طاقمها لأنهم لم يمنعوا السائق من المضي قدماً في سلوكه المميت .
وقال الطاهر: “لم تكن هذه الحادثة الأولى ولكن لأول مرة توثق بوضوح وتظهر عربة الشرطة وهي تطارد المتظاهرين على طول الطريق إلى أن دهست من دهست، ننتظر أن يكون رد فعل رئاسة الشرطة واضحاً وعاجلاً غير آجل)، وأضاف أن شرطة السودان مؤسسة لها تاريخها وأخلاقياتها وموروثها الذي لا يقبل مثل هذه السلوكيات، وهذا السلوك العبثي القاتل، مؤكداً أن شرطة السودان شرطة محترمة ولها تقاليدها وأخلاقها ويجب أن تظل كذلك، وإن حملت سفينتها مؤخراً بعض الموتورين الذين يحب أن تتم إزالتهم فوراً وعاجلاً حتى لا يزداد الفتق وتزداد الفجوة بينها وبين مواطنيها، وقال إن الشرطة في خدمة الشعب ولا يعقل أن تسمح لأحد منسوبيها أن يمارس القتل أياً كانت وسائله، حسبنا الله ونعم الوكيل ، ننتظر أن يعلن عن القبض على هؤلاء القتلة الذين تربأ شرطة السودان بنفسها أن يستمروا في العمل بها، وهي المؤسسة العريقة ذات الإرث الأخلاقي الضارب الجذور والانضباط الذي تحكمه قوانينها، ولا مكان لقاتل أو محرض على القتل بين صفوفها.
تعذيب توباك
الخبير القانوني المعز حضرة أشار إلى أن الشرطة تقوم بتعذيب الثوار من بينهم محمد آدم الشهير بـ(توباك)، ومنع من تلقي العلاج، رغم أن حالته الصحية وصلت مرحلة خطرة، مشيراً إلى أنه سجل اعترافاً تحت التهديد بأنه قتل العميد شرطة علي بريمة، وقال إن مواقف الشرطة فيما يتعلق بحقوق الإنسان واضحة، وفيها انتهاك صريح.