مع خالد بين الانفعال والاعتدال

على الورق…إبراهيم الصافي

شارك الخبر

يعتدل ميزان خالد تمامًا حين يسكن غضبه وتهدأ ثائرته، وتُراه يعود سياسيًّا مُتعقِّلًا مُتبصِّرًا حكيمًا لا يُرسل آراءه جُزافًا، ولعلنا نستنتج أن حدَّة ثوريته لا تخرج عن كونها متطلبًا لازمًا للمشاركة في إحداث التغيير، وللإبقاء على ألق الثورة متوهِّجًا، وهي تشكل اللبنة الأولى في بنائه السياسي، والصفحة الأساس في مجال النشاط الوطني ولم يكن من السهل عليه الاعتدال، أو التزام الموضوعية في رؤاه السياسية وأحكامه القاسية على خصومه قُبيْل سنوات ثلاث وأثنائها بسبب زخم الحشود الجماهيرية الهادر ووجوده في صفوفها القيادية، ولا نستبعد أنه كان يتماهى مع انفعال اليسار، واندفاعه الناقم والمحموم الذي تُغذيه لهفة الانتقام المُتستِّر بثوب الوطنية.. لكن ما إن ينفرد خالد مع نفسه – صحَّت توقعاتنا أو خابت – ويجلس متأمِّلًا مجريات الأحداث، ويُنصت من على البُعد لقرع طبولها الذي يصمُّ الآذان، ولإيقاعها الذي تتسارع معه الأنفاس؛ فإنه يبدو قادرًا على استجماع إرادته وعزيمته وفطرته من أجل تقديم العقل على الفعل، والحكمة على العجلة، وإن دفعته قدماه إلى الشارع يبتغي التريُّث والتهدئة حتى لا يحدث جورٌ في المكيال؛ فإن (جوقة) الكراهية ستعبث بتقنية الميزان ليُحدث الاختلال، وستضغط بقوة كي يبقى الرجل داخل السرب بذات العنفوان، وستحافظ هي بالتالي على معارض شرس عانى طويلًا ويلات الحبس والاعتقال وإهدار الحرية.
ونقول لأصحاب الصوت العالي في العالم الإسفيري الآن: إن فلسفة أنا أم أنت في المركب؛ دعوة جاهلية وشِرعة غاب، فلا يمكن لكائن من كان إلغاء الآخر بذريعة الطغيان والفساد و (الكوزنة)، أو بفرية إعلاء قيمة المركز على الهامش، فهذه صفات سالبة قد تطال كل تنفيذي، وكل من يحاول احتكار الشارع؛ بل كل من يعتلي منصة الحُكم، وحتى أولئك الذين يعارضون القديم بشراسة؛ لن يسلموا من جُنحة هوى النفس والفساد والإفساد، و”من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”
أوردت بعض المواقع الإلكترونية قول خالد “إن الوضع الحالي لا يقود إلى حل، مطالبًا بالتفاوض مع العسكر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وضرب مثلًا بالعلاقة بين روسيا وأوكرانيا التي وصلت إلى مرحلة الحرب الشاملة وما زال الطرفان يُبديان رغبتهما في الحوار”، وهو قول راشد بالطبع، فطاولة حوار تجمع كل أطياف الشعب السوداني دون استثناء، أو انفعال، أو تنابز، أو خروج على قيم المجتمع؛ فستكون هي (الكشاف) الذي يقود الجميع خارج المتاهة، لكن لنا أن نتساءل بحسن نيَّة: ما هو الحل الذي يقصده خالد؟ ومن المنوط به أصلًا التفاوض للخروج من الأزمة الوطنية الطاحنة الماثلة الآن؟ فلا نعتقد أن العسكر في أعلى هرم السلطة، ولا الذين تعلو أصواتهم عبر (ميكرفونات) الحرية والتغيير، ولا مجلسها المركزي، ولا تجمُّع المهنيين، ولا لجان المقاومة، والحركات المسلحة هم السادة المعنيون بقرار تحديد مستقبل السودان: من يحكم؟ وكيف يحكم؟ وكم يحكم؟ السودان ليس ملكية لأحد مهما ارتفعت عقيرته، أو انتفخ جيبه، أو شدَّ إصبعه على الزناد، الوطن للجميع؛ عسكري ومدني، ثري ومُعدم، مزارع وتاجر، أصم وسميع، أعمى وبصير، عزيز أو كسير، وليس لأي حزب أو تنظيم أن يُخوِّل لنفسه احتكار الشارع، والانفراد بتصورات أو قرارات استراتيجية ومصيرية في حق الشعب، هيهات هيهات لقلة أن تكنس أكثرية، ولا لأكثرية تكميم أفواه أقلية..
الحل يشارك في إيجاده كل أبناء البلد بحواضره وهواجره، بممثلين حقيقيين لكياناته الاعتبارية لا مصطنعين ولا وهميين، والصياح الهلامي المُنتفخ الأوداج؛ ليس مسوغًا لأن يصمت الآخرون وينكمشوا على أنفسهم، أصحاب هذا النداء وأهمون إن تراءى لهم انهم وحدهم زعماء الساحة، فإننا نقول لهؤلاء ولكل من يتشدقون جهرًا بملكية الشعار الوطني: كفى تمويهًا للشعب، كفى تصنيفًا وإقصاءً ومنعًا، فأسلوب حُكم شجبتموه ولفظتموه بالتغوُّل على أموال الدولة ومُقدراتها؛ ليس لكم أن تستدعوه وتتبنُّوه، فالفساد لا يُحارب بمثله، والحرية لا تتحقق بطغيان، والعدل لا يستقيم بظلم، والسلام لا تصنعه الفوضى.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.