أوروبا الفاتنة.. هل تتحول إلى شمطاء؟

على الورق.. إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

 

هل تُعجِّل تقلبات المناخ، والحرب الروسية الأوكرانية والهجرات غير الشرعية بنهاية أوروبا الفاتنة، المفتونة بجمالها وبياض بشرتها؟ المزهوَّة باقتصادياتها وصناعاتها وتفوقها العلمي على كثير من دول العالم؟ الفخورة بمدنيتها وثقافتها وتاريخها الحضاري؟ هل تخشى أوروبا أن يموت الإبداع في مجال العلوم والمعارف الإنسانية بموتها؟ ألا تعلم أن موتها يعني عدميتها هي لا موت الإبداع، فالتطور العلمي لم يعد حِكراً عليها، فقد نشط في الجارة روسيا، ثم اتجه غرباً لتتفوق فيه الولايات المتحدة الأمريكية، وشرقًا إلى الصين واليابان وماليزيا والكوريتين وغيرها من الدول.

 

لعل أوروبا تخشى الآن أن تتنافس الصحف ونشرات الأخبار في الحصول على سبق صحفي بإعلان نعيها قبل نهاية هذا القرن، كما خشي مثلها بطل رواية هرمان هيسة (صيف كلنكسر الأخير) أن تنشر صحيفة مقيتة صورته وتحتها هذه الكلمات: “رسامٌ بارز، تعبيريٌّ كبير، مات في السادس عشر من هذا الشهر”، وأوروبا مثله تعتقد أن لها أرواحاً متعددة وممتدة بامتداد مستعمراتها الاستيطانية سابقًا والثقافية حاليًّا، ويحزنها حدَّ النحيب والعويل أن تفقد واحدة من هذه الأرواح، أو تدهمها الشيخوخة فتتحول إلى عجوز شمطاء.

يقول هيسة على لسان بطله مجسَّداً رؤيته المستقبلية لقارته أوروبا: “إني أومن بأمر واحد فحسب هو: القدر، نحن نسير في عربة على حافة هاوية، جميعنا لابد أن نموت ونولد ثانية، لقد حانت لنا نقطة الانعطاف الكبرى، التغير الكبير في الفن، الانهيار الكبير لحكومات الغرب، في أوروبا القديمة كل شيء لدينا مما هو حسن ويخصنا؛ قد مات سلفًا، عقلنا الراجح أصبح جنونًا، نقودنا ورق، مكائننا لا تستطيع عمل شيء سوى إطلاق النار والانفجار، فنوننا انتحار، نحن نهلك، ذلكم هو مصيرنا”، ويتابع: “إني أتحدث عن أوروبانا القديمة التي اعتقدت مدة ألفي عام أنها عقل العالم، إنها الآن ماضية نحو الهلاك، نهايتها في طور الابتداء”.

فبخصوص التغيرات المناخية فقد حذّر وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ـ بحسب موقع إيرو نيوز العربي ـ  من أن تغير المناخ يشكّل “تهديداً وجودياً لن يُستثنى منه أي بلد”، ونشر موقع (فرانس 24) في يوليو من العام الماضي أن عواصف شديدة أرجعها مسؤولون للتغيرات المناخية أدَّت إلى عشرات القتلى ومئات المفقودين في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، بينما  تساءلت (مجلة أورو ريد) عن مستقبل القارة العجوز مع المخاوف المتزايدة من آثار التغير المناخي والاحتباس الحراري خصوصاً على الجنوب الأوروبي المعتدل حالياً والذي سيعاني لاحقاً حال استمرار ارتفاع درجات الحرارة وتراكيز الغازات الدفيئة مع احتمال انتشار التصحر وتقلص المناطق الزراعية كذلك.

وسياسيًّا يبدو أن الاقتصادات الأوروبية لن تستطيع مجابهة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي يتوقع أن تتجاوز تكلفة معالجتها حجم الناتج المحلي الإجمالي بالاتحاد الأوروبي عام 2022 المقدر بنحو 175 مليار يورو، كما ورد في التقرير الذي نشرته مجلة “لوبس” الفرنسية ونقلته (الجزيرة). ومن ناحيتها أكدت وزارة الاقتصاد الألماني – وفق ما أورد موقع دي دبليو (DW) – أن العدوان الروسي على أوكرانيا هو السبب الرئيسي في تراجع الأداء الاقتصادي في ألمانيا وأوروبا بشكل عام.

أما الهجرة غير الشرعية فلها تأثيرها المباشر على التركيبة السكانية وسوق العمل والنواحي الأمنية والثقافية على المدى الطويل، ما قد يؤدي إلى إضعاف الصلف الأوروبي، وتحجيم مشاعر الاستكبار والاستعلاء، وهو ما ترفضه وتقاومه الأحزاب اليمينية المتطرفة الآن.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.