من يشعل النيل الأزرق ؟

الخرطوم: الزين عثمان

أِلتحَق إِقْليم النِّيل الأزْرق شَرقِي السُّودان، بِالْولايات اَلتِي تَشهَد تفْلتَات أَمنِية وَأهلِية وَاسِعة النِّطَاق في البلاد، وصدر قرار بحظر التجوال بمحليتي “الدمازين” و”الروصيرص” من الساعة السادسة مساءً وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي ومنع التجمعات “غير الضرورية” على أن تستمر هذه الإجراءات إلى حين استتباب الأمن.
وأعلنت لجنة أمن إقليم النيل الأزرق عن ارتفاع حصيلة ضحايا العنف القبلي في محلية “قيسان” بالنيل الأزرق إلى (31) شخصًا وإصابة (39) آخرين فضلًا عن إتلاف (16) محلًا تجاريًا.
ويعيش مواطنو الولاية التي يحكمها الجنرال أحمد العمدة المنتمي للجيش الشعبي والموقع على اتفاقية جوبا للسلام في حالة ذعر من أن تمتد الحرب لتحرق الأخضر واليابس..

امتداد للنزاعات القبلية المسلحة
ما يجرى الآن في إقليم النّيل الأزرق مثل امتدادًا لظاهرة النزاعات القبلية المسلحة في السودان والتي بدأت تشكل منحى سلبيًا في المشهد الاجتماعي والسياسي، بانتقالها من نزاع محدود حول المرعى والمأكل لتصبح حروباً أهلية وصراعات متتالية سقط ضحيتها آلاف القتلى، ما عمّق روح العداء بين القبائل بخاصة التي تتجاور في منطقة واحدة وتتشابك المصالح في ما بينها.
وفي وقت لم تجف فيه بعض الدماء التي سألت في منطقة غرب دارفور والتي راح ضحيتها المئات من الأهالي مع موجات نزوح بالآلاف ولم يكد الناس ينسون ما حدث في منطقة أبوجبيهة في الجبال الشرقية تعود آلة الموت مرة أخرى لتحصد أرواح السودانيين في معادلة صراع يصفه الكثيرون بـ “العبثي” ولكنه في الوقت نفسه يمنح مؤشرًا على أن اوضاع البلاد ليست على ما يرام وأن برميل البارود يمكن ان ينفجر في آيّ لحظة.

(قحت).. حديث المسؤولية
أدانت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) “أعمال العنف” في النيل الأزرق، محمّلةً السلطة الانقلابية المسؤولية “الكاملة” عن تجدد أحداث العنف في معظم أنحاء البلاد.
وقال بيانٌ للمكتب التنفيذي للحرية والتغيير، حصلت عليه “السوداني” إن تلك الأحداث ما هي إلا نتيجة لما أسماه “حريق الانقلاب” الذي يهدد جميع البلاد في وحدة أراضيها ونسيجها الاجتماعي.
وأضاف البيان أن هذه الأوضاع الأمنية “المتردية” هي نتيجة حتمية لفشل السلطة الانقلابية في توفير الأمن للمواطنين وفرض هيبة الدولة، مضيفًا أنه لا مناص من معالجة هذه الأوضاع “المتأزمة” إلا بإسقاط الانقلاب وإقامة “سلطة الحرية والسلام والعدالة” – وفقًا للبيان.
وناشد البيان المواطنين في إقليم النيل الأزرق بالعمل على “إيقاف هذه الفتنة اللعينة” وتفويت الفرصة على من يستغلون هذه الأحداث لتبرير استمرارهم في الحكم “ولو على أنقاض الوطن الجريح”.

لماذا غابت الشرطة والقوات النظامية؟
وانتقد البيان غياب الشرطة والقوات النظامية “التام” عن الأحداث، واتهمها بالمماطلة في الاستجابة لنداءات المواطنين السابقة في المنطقة، لافتًا إلى أنها تواصل “فقدان هيبتها وثقتها لدى المواطنين” في كل ربوع البلاد، ومشيرًا إلى تبدل دورها من حفظ الأمن إلى “مطاردة الثوار السلميين العزل”.
وهو ما أعاد للأذهان تصريحات سابقة للوالي خميس عبدالله والي غرب دارفور التي شهدت أحداث صراع قبلي راح ضحيته المئات وخلفت آلاف النازحين في الصراعات التي اندلعت في الجنينة وفي “كرينك” قال الرجل الذي يشغل منصب رئيس إحدى الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا والي غرب دارفور أنه لا يتشرف بأن يكون واليًا في دولة غير قادرة على حماية مواطنيها، مشيرًا إلى أن ما يحدث في الولاية منذ 2019 لا يتعلق بمشاكل قبلية وأن الحكومة السودانية على علم بما يحدث.
وحمّل والي ولاية غرب دارفور السلطة الانتقالية بالسودان مسؤولية أحداث العنف المسلحة التي وقعت في منطقة كرينك شرق مدينة الجنينة، مهددًا بالاستقالة من منصبه وقال “لا يمكنني أن أبقى واليًا في منصبي والقوى العسكرية التابعة للدولة لا تستطيع حماية المواطنين السودانيين في الولاية”. وهي نفسها الاتهامات التي تطارد القوات الرسمية في إقليم النيل الأزرق.

إجراءات وقرارات.. احتواء الموت
وفي سبيل السيطرة على الأوضاع الأمنية أصدرت لجنة امن النيل الأزرق قرارًا بحظر التجوال بمحليتي “الدمازين” و”الروصيرص” من الساعة السادسة مساءً وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي ومنع التجمعات “غير الضرورية” على أن تستمر هذه الإجراءات إلى حين استتباب الأمن. وهي قرارات ينظر إليها البعض بأنها جاءت متأخرة وعقب أيام من انطلاق شرارة العنف في أول أيام عيد الأضحى. بينما انتقدها بيان للتحالف المدني في النيل الأزرق ورأى فيها محاولة من السلطات للتضييق على العمل المدني والمواكب.
وبدأ القتال الأهلي بين الطرفين منذ الإثنين الماضي بعد العثور على أحد الرعاة من “الهوسا” ميتًا داخل منطقة يقطنها غالبية من مجموعة “البرتي” بحسب مسؤول محلي بولاية النيل الأزرق. واتسعت رقعة النزاعات لتشمل مدينة “قيسان”، وكان عدد القتلى من الطرفين قد وصل إلى (17) شخصًا حتى صباح أمس الجمعة
وأدى رفض مكونات (الفونج) لمطالب مكون (الهوسا) بمنحهم إمارة (سلطة أهلية) إلى احتقان كبير، ما لبث أن تحول إلى عنف قبلي بعد مقتل أحد الرعاة.

صراع السلطة.. المواطن يدفع الثمن
وتأثرت مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق بالاضطرابات الاجتماعية في محلية الروصيرص ومنطقة القنيص جراء نزوح مئات السكان من المحليات المتأثرة بالقتال الأهلي.
وقال شاهد عيان من وسط مدينة الدمازين لـموقع “الترا سودان” إنه رأى مئات النساء والأطفال ينزحون من مناطق الروصيرص والقنيص وحي القيسان إلى الدمازين عاصمة الولاية.
وكانت القوات الأمنية قد انتشرت في بعض المناطق المتأثرة بالنزاعات القبلية أمس الأول الجمعة ضمن خطة حكومية للسيطرة على القتال الأهلي المتصاعد الذي خلف (31) قتيلًا و(39) مصابًا أمس الأول الجمعة.
وقال الطبيب عمر شول من مستشفى الدمازين لـ”الترا سودان” إن الوضع أمس السبت أفضل من الساعات الماضية على الرغم من وجود حركة نزوح من منطقة الروصيرص إلى الدمازين بسبب الاشتباكات التي وقعت في حي “اللعوتة” جنوبي الروصيرص.
وأشار إلى أن مستشفى الدمازين يعمل بطاقة عالية في متابعة الوضع الصحي للمصابين؛ حيث تم تحويل خمسة مصابين من الروصيرص إلى المستشفى هناك أمس السبت.
و شكا وزير الصحة بإقليم النيل الأزرق، د. جمال ناصر السيد، في تصريحات لـ (السوداني) من نقص حاد في الكوادر الطبية والأدوية بمُستشفيات الإقليم ما أسفر عن صعوبة بالغة في معالجة جرحى الأحداث القبلية الدامية التي تشهدها الولاية منذ ثلاثة أيام متواصلة.

إحصائيات جديدة.. (السوداني) تحصل على أرقام
وكشف جمال في تصريح لـ(السُّوداني) عن آخر إحصائية لقتلى وجرحى الأحداث حتى الثالثة عصر أمس حيث بلغ عدد القتلى وفق تقارير التشريح 17 قتيلًا ، وبلغت إحصائية الجرحى 47 جريحًا من بينهم 13 حالة حرجة يتطلب نقلها الفوري إلى الخرطوم لتلقي العلاج .
وشكا من انعدام وسائل لنقل الجرحى إلى الخرطوم ، ونبّه إلى أن جميع مستشفيات الإقليم بها عربة إسعاف واحدة ولا تستطيع الخروج منه نسبة لإغلاق الشوارع من قبل أطراف النزاع.
وناشد الحكومة المركزية بالتدخل العاجل وجلب طائرة لنقل المصابين إلى الخرطوم في أقرب وقت مُمكن حتى لا يفقدوا حياتهم .
مُشيرًا إلى تأزم الأوضاع الأمنية بمحليات النزاع الثلاث الروصيرص – قيسان – والدمازين في ظل غياب تام للقوات النظامية وحتى كتابة التقرير لم يصدر عن الحكومة ممثلة في المجلس السيادي أو الوزراء المكلفين تعليقًا على الأحداث في النيل الأزرق.

الموقف الآن.. تحسبات ومحاذير
الأوضاع في النيل الأزرق مرشحة للمزيد من التفاقم وذلك بفعل خطاب غير موزون وفي الوقت نفسه لأسباب تتعلق بغياب الدور الحكومي الرسمي في التصدي لها، في وقت فيه اتهم بيان صادر عن لجان مقاومة الروصيرص الحركة الشعبية “الحزب الحاكم” بالنيل الأزرق وفقًا لاستحقاقات سلام جوبا بالتسبب في النزاع الدائر الآن والذي قال إنه يأتي تعبيرًا عن حالة التشاكس بين مكونات الحركة نفسها.
وانقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال إلى فصيلين يدير الأول عبد العزيز الحلو المستعصم برفضه لتوقيع السلام بينما يرأس الحركة التي وقعت على اتفاق جوبا للسلام مالك عقار الذي يشغل منصب عضو مجلس سيادة في الحكومة السودانية وتدور بين الفصيلين معارك محتدمة من أجل السيطرة على الأوضاع .
وما يفاقم الأوضاع في النيل الأزرق الردة القبلية والجهوية في السودان في أعقاب قرارات 25 أكتوبر مع الاستمرار في محاولات توظيف القبلية والإدارة الأهلية للعب أدوار سياسية ليست من صميم اختصاصها وما يجرى الآن هو ردة فعل طبيعية لحالة الاستقطاب الحاد في الفترة السابقة من قبل مجموعات سياسية ترى في هذه المجموعات روافع لممارسة السلطة والحكم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.