مبادرات إيقاف الحرب في السودان.. النتيجة واحدة!

تقرير: سوسن محجوب

تستضيف العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اجتماعات للقوى السياسية والمدنية السودانية برعاية الآلية الأفريقية رفيعة المستوى المعنية بالسودان برئاسة، محمد بن شمباس، خلال الفترة من 10 إلى 15 يوليو الحالي، لكن شبح فشل مبادرة ابن شمباس بدا جلياً، وذلك بسبب اعتذار أحزاب وائتلافات كثيرة، على رأسها ائتلاف تنسيقية (تقدم) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. المعتذرون قدموا للآلية ما حال دون مشاركتهم.
فشل مبادرة شمباس تضاف إلى قائمة تضم (9) مبادرات أطرافها دولية وإقليمية سعت لإيقاف الحرب لكنها لم تحقق هدفها حتى اليوم.

الضربة القاضية!

ويرى مدير برنامج شرق أفريقيا والسودان وكبير الباحثين بمركز
فوكس للدراسات، د. ناصر سلم، أن المشكلة ليست في المبادرات على مختلف ألوانها وأطرافها، ولكن في أن طرفي الصراع وبعد مرور أكثر من عام، لا زالا يصرحان بأنهما قادران على حسم المعركة “بالضربة القاضية” وليس بالنقاط على “طاولة التفاوض”، وهذه هي النقطة الأساسية، التي أدت إلى فشل كل المبادرات لتحقيق السلام في السودان.

ويضيف سلم في حديثه لـ(السوداني): “مبادرات عدة ومناشدات من الأمم المتحدة وزيارات ماكوكية لم تصل إلى وقف إطلاق النار، حتى الذي تم الاتفاق عليه في منبر جدة لم ينفذ لعدم وجود قوات على الأرض للفصل بين القوتين، لذلك ــ وفي رأيي سبب فشل المبادرات هو عدم جدية الطرفين في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وعدم وجود قوة فاعلة في الساحة السياسية السودانية مقبولة من الطرفين تقود حراكا سياسيا يقود إلى تقريب وجهات نظر طرفي الحرب للذهاب نحو غرف التفاوض.

بازار مبادرات

على الرغم من أن العالم أدار ظهره ـ الدول الكبرى – لأزمة السودان منذ اندلاعها، لكنه شارك في دعم بعضها، ومنها دعم واشنطن للمملكة العربية السعودية في جمع طرفي الصراع في منبر جدة، بعد نحو أقل من شهر من بداية الحرب في 6 مايو 2023، حيث أفلح في عقد ثلاث جولات آخرها في ديسمبر 2023، لكنه حتى اليوم لم يتمكن من إقناع الطرفين التوصل لوقف إطلاق النار.

 

الإخوة الأفارقة
سعى الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” ومنذ بدء الصراع إلى إيجاد تسوية تنهي الحرب، لكن الحكومة السودانية شكّكت ومنذ وقت مبكر في تلك الجهود ورأت أنّها أقرب إلى خصمها قوات الدعم السريع، خاصةً بعد احتفاء عواصم أفريقية لحميدتي، ورغم ذلك قدم الأفارقة 6 محاولات منذ مايو 2023 ــ أي بعد أسابيع قليلة من اندلاع القتال، فيما عقد رؤساء الدول الأعضاء في “إيغاد” قمة استثنائية في العاصمة الجيبوتية يوم 12 يونيو 2023، بعدها عقدت اللجنة الرباعية الأفريقية لطرفي القتال، اجتماعاً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يوليو 2023، إلا أنّ وفد الجيش قاطع الاجتماع احتجاجاً على رئاسة كينيا للجنة الرباعية.
وفي 9 ديسمبر 2023، عقدت “إيغاد” قمة استثنائية ثانية في جيبوتي، وفي اقل من شهر من القمة، سارع الاتحاد الأفريقي لتكوين آلية رفيعة المستوى أسند رئاستها الى الممثل السامي للاتحاد الأفريقي لإسكات البنادق محمد شمباس، الذي استهل نشاطه بسلسلة لقاءات مع كل القوى السياسية وطرفي الحرب، بل وشملت إسلاميين.

 

مُشكلة أصحابها!

ويذهب الباحث في الشؤون السياسية د. الفاتح عثمان إلى أن أسباب تعثر المبادرات التي قدمها أصحابها لإنهاء الحرب في السودان هو “تورط غالب” أطراف تلك المبادرات في الصراع، ولذلك لم يكونوا حياديين، كما أنّهم لم يكونوا جادين لأنهم كانوا يأملون في انتصار الطرف الذي يؤيدونه، ويلفت في حديثه لـ(السوداني) إلى أن الوضع الحالي اختلف تماماً، إذ أن قوات الدعم السريع باتت على وشك الانهيار الكامل في الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان، كما أن غالب القبائل العربية التي تمثل حواضن الدعم السريع بدأت في النأي بنفسها عنه عبر جهود تنسيقيات القبائل العربية عامة والرزيقات والمسيرية خاصة.

 

غياب الفاعلين

ويواصل د. ناصر سلم إلى أنّ كل المبادرات التي طُـرحت كانت تصب في ثلاث نقاط وهي: وقف إطلاق النار، دخول المساعدات الإنسانية وحوار سوداني ـــ سوداني، بعدها انتخابات أو فترة انتقالية تشارك فيها القوى السياسية وبعدها انتخابات تحدد مَن سيحكم السودان، لكن الإشكالية الأساسية هي عدم جدية الطرفين، وعدم وجود قوة فاعلة، للأسف القوى السياسية متخندقة خلف طرفي الصراع، لا توجد قوة في المنتصف تعمل على تقريب وجهات النظر، وأيضاً من الأسباب التي أدت الى فشل الكثير من المبادرات المطروحة، هو وصول الإمدادات العسكرية لطرفي الصراع، كما أنه وحتى هذه اللحظة أرى أن الطرفين المتقاتلين لم يصلا إلى مرحلة “الإرهاق الكامل” الذي يقودهما إلى طاولة التفاوض، وعلى قناعة للوصول إلى إنهاء الحرب، وعنصر مهم أيضاً يجعل طرفي الصراع يتعنتان في مواقفهما العسكرية هو أن كل طرف يريد أن يرى مستقبله في الساحة السياسية السودانية بعد انتهاء الحرب، خاصة في ظل وجود لاعبين كثر من دول الجوار، وإقليميين، وداعمي أحد طرفي الصراع، المستفيدين من الحرب، تجار الأزمات.

ويوضح د. ناصر الى ان طول أمد الصراع في النهاية سيؤدي إلى تعقيد الحلول وإضعاف الطرفين، اعتقد ان البعض يريد أن تصل الحالة السودانية إلى الحالة الإثيوبية، إذ أنه عندما بدأ الصراع مع جبهة تحرير التيغراي والحكومة المركزية، الأوروبيون كان لديهم وجهة نظر واضحة بأن الطرفين لن يجلسا إلى طاولة التفاوض إلا إذا وصلا إلى مرحلة الإرهاق الكامل، وفعلاً استمرت الحرب إلى فترة طويلة وجبهة تحرير التيغراي وصلت إلى أسوار العاصمة أديس أبابا لإسقاط حكومة آبي احمد، لكن الإرهاق العسكري هو الذي قاد في نهاية المطاف إلى جلوسهما واتفاقهما لوقف إطلاق النار. ويعتقد د. سلم أن التجربة الإثيوبية من الصعب أن تحصل في السودان وذلك بسبب وجود “داعمين كُثر” لاستمرارية الحرب و”داعمين كُثر لتيار” أن تنتهي الحرب الضربة القاضية وليست بالنقاط على طاولة التفاوض. ويخلص د. ناصر إلى أن العالم سوف يستمر في تقديم المبادرات وأيضاً سوف تفشل ما لم تكن هناك رغبة حقيقية لإيقاف الحرب، وما لم يكن هناك قرار سياسي محايد وفاعل ومقبول من الطرفين يحثهما على جدوى القبول بتلك المبادرات الهادفة إلى إنهاء الحرب.

 

مبادرة البحرين

قادت البحرين وبدعم واشنطن، مفاوضات أحيطت بسرية كاملة في العاصمة البحرينية المنامة جمعت قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو ونائب القائد العام للجيش الفريق أول شمس الدين كباشي في نوفمبر 2023 ويناير 2024، لكنها فشلت بعد تسريب جلساتها إلى وسائل الإعلام بسبب بنودها، في المقابل، استمرت الجهود الأفريقية، حيث استضافت العاصمة الأوغندية كمبالا 20 يناير 2024، قمة ثالثة لمنظمة “إيغاد”، خلصت إلى تكليف الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني جمع الجنرالين في غضون أسبوعين في لقاء مباشر لهما، لكن حتى الآن لم ينجح الرجل في مهمته، خاصةً وأنّ السودان جمد ومنذ، فترة عضويته في منظمة إيغاد.

 

الروس وتسوية الملعب

ويرى د. الفاتح عثمان بأن السودان تمكن من إنهاء ما وصفه “بالحصار المفروض” عليه، ويقول مواصلاً حديثه لـ(السوداني)، إنّ الفضل في إنهاء هذا الحصار وتحطيمه يعود إلى روسيا، التي صارت على وشك توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع السودان تؤمن له “السلاح والشراكة الاقتصادية”، مقابل قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، ويمضي: “لذلك نشطت المبادرة السعودية ــ الأمريكية وغيرها، وغالباً يتم إنهاء الحرب بنهاية هذا الشهر، لأن الأجواء باتت مواتية لنجاح أي مبادرة سلام في السودان”.

 

الجارة الشمال

شاركت مصر ومنذ وقت مبكر في المبادرات المطروحة لتسوية فرقاء الحرب في السودان، أهمها مبادرة جمعت دول جوار السودان، وآخر جهودها المؤتمر الذي استضافته للقوى السياسية السودانية خلال يومي السادس والسابع من يوليو 2024، وعلى الرغم من مشاركة معظم تلك القوى، إلّا أن خلافات نشبت بين المشاركين حول البيان الختامي للاجتماع، بسبب مواصلة طرفي الحرب في نهجهما بعدم حسم الصراع على الطاولة.

 

الأمم المتحدة على الخط

منذ يومين تشهد جنيف، مباحثات غير مباشرة بين الجيش والدعم السريع، تحت رعاية رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك إن المناقشات ستستمر خلال عطلة نهاية الأسبوع “بصيغ مختلفة وفي أماكن مختلفة”.

وفي رده على سؤال في المؤتمر الصحفي اليومي بنيويورك، قال دوجاريك: “المهم هو أن نبقى على تواصل مع كلا الوفدين. الوضع الإنساني في السودان يتدهور كل يوم ويؤثر بشكل مروِّع على السكان المدنيين. لا نستطيع الوصول إلى الكثير من الناس المحتاجين للمساعدة”.

 

وقال دوجاريك إن ما ينشده السيد لعمامرة هو أن يرتقي الوفدان السودانيان إلى مستوى التحدي وينخرطا في مناقشات بنّاءة من أجل تخفيف معاناة الشعب السوداني.

وجدد ستيفان دوجاريك، دعوة الأمم المتحدة للأطراف إلى ضرورة وقف التصعيد والتقيد فوراً، بالتزاماتها بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بهدف حماية المدنيين وتسهيل نقل المساعدات الإنسانية.

 

دعم مجلس الأمن

وفي بيان صحفي صدر في وقت متأخر من مساء الجمعة، رحب أعضاء مجلس الأمن الدولي بعقد المبعوث الشخصي للأمين العام رمطان لعمامرة، محادثات غير مباشرة في جنيف بين الجانبين السودانيين المتقاتلين.

وحثّ أعضاء مجلس الأمن، الطرفين على تهدئة التصعيد ووقف الأعمال القتالية وضمان حماية المدنيين بما في ذلك في الفاشر، بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

 

ودعا الأعضاء، الطرفين إلى استغلال فرصة المحادثات للاتفاق على خطوات لتنفيذ تلك الأهداف بشكل عاجل والعمل باتجاه الإنهاء المستدام للأزمة في السودان. كما دعا أعضاء مجلس الأمن الدولي، الطرفين إلى الاتفاق على مزيد من الخطوات للسماح وتيسير الوصول الإنساني الآمن وبدون عوائق إلى السودان وفي أنحائه. ودعوا جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يثير الصراع وعدم الاستقرار، وأن تدعم بدلاً من ذلك جهود الوساطة من أجل السلام المستدام.

شارك الخبر

Comments are closed.