حل المخابرات.. هل تكون آخر معارك “كسر العظم”؟!

مرة أخرى يتصدر جهاز المخابرات السوداني، واجهة الأحداث، على وقع حالة الانفلات الأمني الواسع، وازدياد حدة المواجهات القبلية، أو من ناحية الضغوط الكثيفة التي تمارسها جهات داخلية وخارجية هذه الأيام لتفكيك هذه المؤسسة.

شارك الخبر

الخرطوم : عبد الباسط إدريس
الضغط والإطار
منذ تقليص صلاحيات جهاز الأمن وإعادة هيكلته، يرى عدد من المراقبين أن ذلك أدى لخلل أمني ملحوظ؛ لجهة أن الجهاز كان يغطي الدائرة الأوسع مع المنظومة الشرطية، ودوائر عديدة من بينها تأمين حقول النفط، ومكافحة التهريب، والتهرب الضريبي، ومعالجة الاحتقانات القبلية، بجانب مكافحة الإرهاب والتجسس والمخدرات، لكن ــ والحديث للمراقبين ــ أدى تقليص صلاحيات الجهاز، والمطالبة المستمرة بهيكلته، دون خطة واضحة، لزيادة معدلات الجريمة وانهيار الاقتصاد وتدفق المخدرات على نحو غير مسبوق، كما شهدت شوارع الخرطوم عمليات عسكرية في مواجهة الإرهابيين؛ الأمر الذي يشير باعتقادهم لحجم الاستبانة التي تشهدها البلاد.
معركة كسر العظم
ومنذ اندلاع ثورة ديسمبر وإطلاق عجلة التغيير، ظلت المخابرات هدفاً لجهات خارجية، ظلت تقف وراء حملة حل الجهاز تارة، وإعادة هيكلته تارة أخرى، وهنا يقول الخبير العسكري، اللواء معاش أحمد المصطفى، لـ(السوداني)، إن استهداف الجهاز من قبل جهات خارجية يهدف لضرب مكامن القوة في الدولة، مستغلة تضخيم الأخطاء الفردية التي وقعت، وتعمد إخفاء الدور الوطني الإيجابي الذي يقوم به الجهاز ضمن منظومة أمنية متكاملة، واعتبر المصطفى أن المعركة التي تدور الآن من نزع صلاحيات المخابرات، والضغط بهيكلته وتصفيته هي معركة (كسر العظم) بين الجهات الخارجية التي تسعى للنيل من جهاز المخابرات وشيطنته؛ بسبب الذخيرة المعرفية للجهاز بما يدور عندهم، وقدرته على إفشال مؤامراتهم من جهة، ومع الدولة السودانية بأكملها من جهة أخرى.
وينوه اللواء المصطفى إلى أن الجهاز قد شهد أكبر إحالات للتقاعد وسط قياداته، ومن الضباط بمختلف الرتب والمواقع الحساسة، في إطار الروتين وإضفاء الفاعلية من ناحية، أو كمحاولة لتخفيف الضغوط التي تمارس على السلطة من ناحية أخرى.
مصير المعلومات
ومع تزايد الضغوط السياسية بعد سقوط البشير، في الحادي عشر من أبريل 2019‪، تزايدت المطالب السياسية بإبعاد الضباط الموالين للبشير ونظامه، وإعادة هيكلة جهاز الأمن. مطالب تبعتها مخاوف وتساؤلات عديدة من إضعاف جهاز الأمن، ومصير المعلومات المرتبطة بأمن البلاد القومي، والمهددات الداخلية والخارجية، فضلاً عن الانتهاكات والتجاوزات وجرائم القتل التي وقعت خلال مراحل الحراك الشعبي، برغم أن جهاز قد قام بتسليم عدد من المتهمين للقضاء عقب اتهامهم بارتكاب تجاوزات وجرائم قتل بحق المتظاهرين، وقد خضع عدد من منسوبي المخابرات للمحاكمات من بينهم الحكم بالإعدام في مواجهة المدانين بقتل المعلم أحمد الخير، بينما لا تزال عدد من المحاكمات الأخرى تواصل جلساتها.
أدوار وفاعلية
الخبير الأمني، الفريق حنفي عبد الله، قال إنه وبرغم فقد الجهاز لقيادات فاعلة جداً ومختلفة كماً ونوعاً، بتلك الاحالات، إلا أنه ما يزال يحتقظ بكوادر مهمة جداً تمرست على العمل الأمنى والاستخباري.
ويقول إن جهاز المخابرات السوداني بما لديه من مقدرات بشرية واستخبارية، وقدرات تكنولوجية، يعتبر من أفضل خمسة أجهزة استخبارات في منطقة الشرق الأوسط، وحذر حنفي من مغبة النظر لهيكلة جهاز المخابرات بطريقة عاطفية، ودون النظر للمهددات، رغم إقراره بوقوع تجاوزات حدثت، وقال إن نظرة بعض الناس في هذا الإطار يشوبها كثير جداً من المخاطر وسوء التقدير؛ لأنه من غير الممكن أن تكون هناك هيكلة، دون أن تكون هناك أدوات لحماية الأمن القومي، وأشار حنفي إلى أن الجهاز، وفي ظل الوثيقة الدستورية، والتشاور بين قيادته، ورئيسي مجلس السيادة والوزراء، لا يزال يقوم بمهام كبيرة، وله دور فاعل في قضايا عديدة مثل الاقتصاد، والهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب، والمسائل المتعلقة بدول الجوار ذات الهشاشة الأمنية، والأزمات الاقتصادية من تهريب للسلع وفساد اقتصادي، وتهرب ضريبي، وعدها من أهم الملفات التي يمسك بها جهاز المخابرات العامة مع الجهات الأخرى، بجانب الوحدة الوطنية والاثنية، ومتطلبات المفاوضات مع الحركات، الجهاز يظل الفاعل فيها بحكم المعلومات المتوافرة له .
أستقرار وحكومة قوية
يقول الكاتب الصحفي، النور أحمد النور، لـ(السوداني)، إن إضعاف المخابرات أحد عوامل الانفلات الأمني وحالة السيولة الأمنية، وارتفاع الجريمة، حيث كان الجهاز عبر إداراته المتخصصة سواء في مكافحة المخدرات، أو الهجرة غير الشرعية، أو مكافحة الإرهاب، وأيضاً عبر هيئة العمليات بالانتظار في المدن ومحاربة الظواهر السالبة، وبالتالي أعتقد أن إضعاف الجهاز هو أحد الأسباب التي أدت لحالة السيولة الأمنية التي نعيشها، بالإضافة للحالة السياسية، وحالة عدم اليقين وانسداد الأفق السياسي، هو ما أدى لتدهور الأوضاع الأمنية التي نعيشها الآن.
ويرى النور أنه لا مخرج إلا بتوافق سياسي وحكومة قوية مسنودة سياسياً، وتحقيق أكبر قدر من التوافق الوطني لإسناد هذه الحكومة، حتى تقوم بأدوارها في السياسة والأمن والاقتصاد، وبالتالي المفتاح لقضية الأمن والاستقرار هو التوافق السياسي، وتشكيل حكومة فاعلة من الكفاءات.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.