عندما نجبر طلابنا على عملٍ لا يحبونه

همسة تربوية

د. عبدالله إبراهيم علي أحمد*

شارك الخبر

الميول هو نزعة سلوكية عامة لدى الفرد يجذبه نحو نوع معين من الأنشطة، وهو شعور يصاحب إنتباه الشخص، فقد نجبر نحن أولياء الأمور أبناءنا على عملٍ لا يحبون عمله، لأنه بعيداً عن ميولهم وإهتماماتهم، وللطلاب ميول ورغبات يجدون فيها أنفسهم ويبدعون فيها، فنجد البعض من الطلبة يحب مادة الرياضيات وآخرون يحبون اللغة الإنجليزية أو اللغة العربية وبعضٌ يجد نفسه في مادة العلوم، وهناك بعضٌ لا يحب المواد الأكاديمية مطلقاً، بل يحبون الرسم والتلوين ويجيدون الخط بأنواعه أو يبدعون في الهندسة والعمل المهني، لذلك علينا كأولياء أمور مناقشة الأبناء بالجلوس معهم والتحدث إليهم في إختيار التخصص الذي يبدع فيه على أن نضع في الحسبان رغبة الطالب.

وتحضرني في ذات السياق أن مدير مدرسة بسنغافوره أرسل رسالة إلى أولياء أمور الطلاب قبل بداية الإمتحان قائلاً فيها:

قريباً سوف تبدأ الإمتحانات وأعلم مدى قلقكم على نجاح أطفالكم، ولكن هناك من هو مستواه ضعيف في الرياضيات، وهناك من لا يحب الكيمياء، فإذا تحصل إبنكم على معدل جيد فهذا رائع، أما إذا تحصل إبنكم على معدل ضعيف فأرجوكم أن لا تضعفوا ثقته في نفسه، بل قولوا له كل شيء سيكون على ما يرام، ولتخبروا إبنكم أن هناك أشياء كثيرة تنتظره في هذه الحياة، ولا تضايقوه ولا تسمحوا لإمتحان بسيط أو علامة ضعيفة تقضي على أحلامه وتقتل مواهبه، ولا تعتقدوا أن المهندسين والأطباء فقط هم الأشخاص السعداء، فهناك رجل الأعمال أو الفنان الذي ليس له في الرياضيات شيء وليس له حاجة في التعمق في اللغة الإنجليزية، وهناك الإقتصادي صاحب المبادرات والعقل المفكر، وهناك الذي يهتم في الموسيقى ولا يتحمس في موضوع الكيمياء، وهناك الرياضي الذي تهمه اللياقة أكثر من موضوع الفيزياء، فعليكم أن تمدحوهم وتشجعوهم بأن هدفهم في الحياة أكبر بكثير من الإمتحان، وهناك المجال الصناعي من أجل زيادة الإنتاج لتحقيق أكبر الإنجازات، لذلك قد تكون العلامات غير مهمة للمهنيين الذين لا يجيدون التميز في المواد الأكاديمية.

أيضاً تحضرني نظرية بارسونز في الميول والرغبات حيث قالت: إن التكيف المهني يزداد عندما تنسجم خصائص الفرد وميوله مع المهنة وذلك ينعكس بشكلٍ كبير على العائد، فيشكل الميول جانباً مهماً في تحديد الأنشطة التي يسعى الفرد للقيام بها كنتيجة لميله لها.

إذاً للميول والرغبات تأثير كبير على تحديد المجالات والمواقف التي يجد فيها الفرد نفسه، فبمعرفة ميول الطلاب يمكن تنظيم العمل الصفي, حيث يُوكل لكل طالب الأعمال التي تتناسب مع ميوله.

وللإمام الغزالي رأي في مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، ونبه إلى ضرورة الترويح عن النفس واللعب أثناء التعليم كما في فلندا وسنغافورة، ونادى بالتدرج في التعلم أثناء تعليم الطفل، كما نادى إبن خلدون بعدم إرهاق الطفل أثناء التعلم، ومرعاة حالته النفسية وما يميل إليه، وهنا نجد الطفل يريد الحرية ليكتسب الخبرة، وضرورة أن يتعلم من خلال تجاربه الشخصية والحرية وفق ميوله وما يرغب في تعلمه، كما ركز فروبل على مبدأ النشاط الذاتي، وهو الذي تسيطر عليه دوافع الفرد النابعة من ميوله الخاصة، فالحرية في التعليم يساعد على تنمية القدرات العقلية لدى المتعلمين، أما جون ديوي، فقد وجه نقداً كبيراً للنظام التعليمي الموجود وطريقة التعليم والمناهج وأشار إلى أنها حشو للطلاب ولا تراعى ميول واحتياجات المتعلمين.

ما نلاحظه أن مناهجنا الدراسية تمثل نظاماً فرعياً من نظام رئيسي أكبر وهو التربية، ومن ثم تنعكس عليه كل ما يصيب التربية من متغيرات، وكل ما يمتد إليها من آثار لكونها أيضا نظاماً فرعياً لنظام كلي أشمل وهو المجتمع، وقد أهمل المنهج بمفهومه التقليدي التلميذ وركز على المعرفة والمعلومات التي تزود بها المدرسة التلميذ، واستمرت المناهج الدراسية على هذا الحال إلى يومنا هذا، فلقد أثبتت مناهجنا ضعفها في تحقيق النمو المتكامل للمتعلم خاصة في الفروق الفردية بين المتعلمين وأهمية مراعاة ميولهم واحتياجاتهم، فيجب العمل على ربط الميول بحاجات التلاميذ من ناحية وبقدراتهم واستعداداتهم من ناحية أخري، وارتباط الميول بحاجات التلاميذ يؤدي إلي إقبالهم على الدراسة في نشاط وحماس، حينها سيكون الميول بمثابة الموجه للدراسات المهنية، ويتطلب ذلك ملاحظة التلاميذ أثناء قيامهم بالأنشطة المتنوعة، فواجب المعلم مراعاة وإكتشاف ميول المتعلمين بما يتلاءم مع القدرة العقلية والجسمية لكل طالب.

أخيراً هذه الأنظمة موجودة في الدول المتقدمة بسنغافورة ونيوزيلدا وفلندا وغيرها من الدول الأخرى، وقد لا تساعدنا المناهج في تطبيق ذلك ولا تفسح المجال للمعلمين والطلاب للتعلم بهذه الطريقة، ولكن الهدف من ذلك كله علينا ألا نزعل من أبنائنا حين يرسبون بمدارسهم وألا نجبر أحداً منهم على عمل لا يحبه، فربما فرصته وإبداعه في مجالٍ آخر.

* خبير المناهج وطرائق التدريس واختصاصي التقييم والاعتماد المدرسي – الدوحة / قطر 

 

شارك الخبر

Comments are closed.