زيادة الإنتاج … عندما تتحول (النعمة) إلى (نقمة)

الخرطوم: رحاب فرينى
يواجه المنتجون في القطاع الزراعي مشكلات عديدة أبرزها التمويل والتسويق الذي أصبح يؤرق المنتج، ذلك لعدم وجود سياسات واضحة من قبل الدولة ومحاربتها للمنتج وإيداعه السجون بسبب الأعسار وانهيار الأسعار .
غياب التخطيط
وأكد عدد من الخبراء الاقتصاديين أن غياب السياسات والتخطيط مشكلة تواجه الاقتصاد، بجانب عدم وجود جهاز مخزون إستراتيجي يتدخل في الشراء وقت الوفرة والندرة وعدم وجود مصانع تحويلية للمنتجات ذات السعات التخزينية قصيرة المدى ، ودعوا إلى فتح الصادر وخلق أسواق خارجية حتى لا يتضرر المنتج .
المخزون الإستراتيجي
وقال رئيس قسم الأمن الغذائي، بوزارة الزراعة والغابات، المهندس عمار حسن بشير، نحن ليس لدينا آلية في الدولة لمعالجة زيادة الإنتاج والسبب الرئيسي لا يوجد لدينا جهاز مخزون إستراتيجي بصورة فاعلة، وأكد في حديثه لـ(السوداني) على أهمية جهاز المخزون الإستراتيجي؛ لجهة أنه يعمل على المحافظة على اختلال الأسعار، مؤكداً أن جهاز المخزون الإستراتيجي معطل، ولا يقوم بمهامه بصورة مثلى، مبيناً أن المدى التتخزيني للخضروات قصير، وهذه تحتاج للتصنيع أو يفتح لها الصادر، مؤكداً أن هذه المحاصيل شهدت ركوداً وتدنياً كبيراً بسبب انهيار الأسعار؛ مما تسبب للمنتج في خسائر كبيرة، لأنه لا يستطيع أن يغطي التكاليف، قال عمار إن الحل يكمن في اثنين، وهو أن يكون لدينا جهاز المخزون الإستراتيجي حتى نستطيع عبره أن نخزن المحاصيل لأنه يقوم بدور في بداية ونهاية الموسم، والحل الثاني يكمن في وجود صناعات تحويله، حتى لو كانت صغيرة تستطيع أن تستوعب فائض الإنتاج؛ لأننا مهما استهلكنا من إنتاج لا نستطيع أن نستوعب كل الإنتاج، مشيراً إلى ضرورة فتح صادر هذه المنتجات. .
وصمة عار
ووصف د. عمار إعسار المزارعين ودخولهم السجون بوصمة العار على السودان، وقال: “نحن دولة زراعية وندخل المزارعين السجون وحدثت في القضارف ومناطق أخرى، وهذا يرجع لأسباب لأن ليس لدينا جهات تمويلية تقوم بعمليات التمويل بما يناسب المنتجين بصورة وصيغة تمويلية مناسبة”، وتسأل: “لماذا لا تدخل الدولة كضامن للمنتجين حتى يستطيعوا أن يغطوا ما عليهم من دين؟”.
وزاد إذا تم سجن المزارع إلى حين السداد وهو مسجون ونشاطه الاقتصادي الوحيد معطل وهو الزراعة، بالتالي لا يستطيع أن يغطي ما عليه من دين ؟
ولماذا لم يكن هناك صيغة تمويل مناسبة ومحابية للمزارعين المنتجين ؟
قال دولة كبيرة مثل السودان من المفترض أن يقوم اقتصادها على الزراعة تودع منتجيها في السجون ويقال لك نطبق القانون، موضحاً أن مسألة التمويل واسعة وبها خيارات عديدة، فلماذا لا نفعل الصيغ الكثيرة في صيغ التمويل الإسلامية حتى نمول المزارع بصورة مناسبة؟ بحيث إنه لا يوضع في السجن وتوقف نشاطه ومهنته، وقال على الدولة الاستفادة من هذا الإنتاج وتقديره بعد الحرب الروسية الأوكرانية .
وعن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية، قال د. عمار إن أثرها على محصول القمح رغم عدم اعتمادنا عليها، ولكن نحن نعتمد على أسواق، وهي تعتمد على أوكرانيا بمعنى تأثير غير مباشر .
وتسأل د. عمار عن لماذا تصدر الدولة الذرة وتبيع مخزونه وغالبية أهل السودان تعتمد على الذرة؟ ولا يكون لدينا ميزة نسبية في إنتاج الخضر؟
غياب السعة النخزينية
واعتبر الخبير الاقتصادي الأستاذ المشارك في جامعتي السودان والمغتربين، د . محمد الناير، غياب عمليات الخطط والتنفيذ والمتابعة، وإن وجدت اعتبرها واحدة من أهم المشكلات التي تواجه الاقتصاد السودانى، قال في حديثه لـ(السوداني) هناك مشكلة تواجه المزارعين بصورة عامة، أضاف حينما يكون هناك وفرة إنتاج خاصة في المحاصيل الخاصة بالحبوب والتي يمكن تخزينها بشكل جيد مفترض أن الدولة تتدخل في الشراء بسعر مناسب من المنتج حماية له، وحينما يكون هناك ندرة يعاد طرح المخزون للممتج بسعر مناسب، حتى لا يكون هناك إشكالية، ويستغل التاجر ظرف المستهلك لليبيع بأسعار كبيرة .
وقال الناير أما فيما يخص المنتجات الأخرى مثل البصل والطماطم هذه واحدة من الإشكالية التي تواجه هذه المحاصيل هى غياب السعة التخزينية “التخزين المبرد”، مشيراً إلى أن السودان لا توجد به سعة تخزين مبردة، وهذا انعكس على هذه المنتجات، إضافة إلى أنه لا توجد طاقة تصنيعية في السودان، وأضاف مفترض أن تكون هناك طاقة تصنيعية للخضروات والفواكهة وهذه غائبة في السودان، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وعندما ترتفع تكاليف الإنتاج تنعكس على المزارع ولا يستطيع أن يعوض خسارته ويذهب إلى السجون لأنه عادة يتم تمويله من البنوك ولا يستطيع المزارعين تمويل أنفسهم، لذلك لا توجد رؤية من قبل الدولة، مؤكداً أن مثل هذه المصانع لم تكون بتكلفة عالية ويمكن استئناف مصانع تعمل بطاقة معقولة في مناطق الإنتاج أو في العاصمة، وزاد للأسف الشديد نسمع من قبل المسؤولين في الدولة عن معالجة هذا الأمر خاصة أن العالم يعاني من إشكاليات وتعقيدات كثيرة، لافتاً إلى أن هناك أزمة غذاء متوقعة بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، إضافة إلى تغير المناخ، وهذا يتطلب من السودان أن يستعد استعداداً جيداً لأن لديه من الإمكانيات والموارد التي تمكنه .
شركات تسويق خاصة
ودعا الخبير الاقتصادي، د. هيثم محمد فتحي، إلى أهمية تطوير برنامج إرشادي لتدريب المزارعين في مجال استخدام تقنيات ما بعد الحصاد والتقييد بالمواصفات المعتمدة لدى الأسواق الخارجية من حيث الأصناف المرغوبة والجودة والحجم وموعد الإنتاج المناسب للتصدير، وقال فى حديثه لـ (السوداني) على الدولة تسهيل إنشاء شركات تسويق خاصة تتعامل مع الإنتاج بعد القطف مباشرة عن طريق التعاقد المباشر مع المزارع لتسويق إنتاجه، اضاف تعتبر عمليات جمع وإعداد وتخزين المحاصيل الزراعية من العمليات الأساسية الهامة في الإنتاج الزراعي، وهي تشمل عدة عمليات، وحتى يضمن المزارع أن يصل الناتج الزراعي لديه إلى المستهلك بحالة جيدة وحتى يعود عليه بالنفع الکبير يجب عليه الاهتمام بعمليات الجمع والإعداد والتخزين حتى يضمن المحافظة على صفات المحصول ومنعه من التدهور والفساد، مشيراً إلى أهمية الاتحادات الزراعية والجمعيات الطوعية، لجهة أنها تقوم بتدريب المزارعين في مجال تقنيات ما بعد الحصاد، وکيفية التقيد بالمواصفات المعتمدة لدى الأسواق الخارجية وإنشاء الشرکات والجمعيات المتخصصة بالتسويق، إضافة إلى أنها تعمل على التعاقد المسبق واستلام الإنتاج المطبق لمعاملات ما بعد الحصاد، ذلك عبر دراسة الأسواق الخارجية واستهداف الأهم منها، وأوضح أن هناك نتائج سلبية ومعيقات واضحة يتحملها المزارعون الذين يعتمدون بشكل كامل على سلسلة الإنتاج التقليدية المتمثلة في النقل والوضع المالي الحالي للحكومة الذي أظهر عجزها وعدم قدرتها على تغطية هذه الخسائر التي يتكبدها المزارعين والمنتجين، قال د. هيثم في كل موسم لانتاج محصول يلجأ المزارعون إلى تأخير فترة حصاد منتجاتهم كبديل عن تكبد الخسائر من تكاليف حصاد وتعبئة وتغليف وأجور ونقل وآخر المطاف بيعها بأسعار متدنية جداً لا تغطي تكاليف ما بعد الحصاد .
وأكد د. هيثم أن الزراعة تُمثل مصدراً أساسياً من مصادر الدخل، كما تمثل طريقاً أساسياً نحو سيادتنا على مواردنا الطبيعية، وبالتالي سيداتنا الغذائية، مع قدرة الزراعة على تحقيق نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي، وكذلك تطوير القطاعات الأخرى.
عوائق وعراقيل
واعتبر مشكلة محصول البصل المعروض في الأسواق تعد مؤشراً لأزمات العديد من المزارعين على مستوى عقبات التمويل والتسويق والبنية التحتية ما يخلق فجوات هائلة بين العرض والطلب، ودعا إلى حماية المزارع لانه الحلقة الأضعف في سلسلة القيمة، قال القدرة التفاوضية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة محدودة للغاية، خصوصاً عندما لا تكون سعة التخزين كافية لمحاصيلهم وفي غياب الجمعيات التعاونية المحلية الفعالة التي تم إهمالها بسبب التغافل الحكومي الشديد، مشيراً إلى أهمية أن يتمتع المزارعين بحرية التنظيم والإدارة والتفاوض حتى يتمكنوا من تأسيس تعاونيات زراعية، أضاف لأنهم في كثير من المواسم يجدون صعوبة في بيع إنتاجهم ويضطرون إلى بيعه بأقل من الكلفة أي بالخسارة، مشيراً إلى العوائق التى تواجه المزارعين أن معظمهم يعتمدون على التمويل من البنك الزراعي أو اللجوء لقنوات أخرى توفر لهم تمويل زراعتهم، فضلاً عن حالة الركود التي تضرب الأسواق؛ مما يؤدي إلى انخفاض أسعار المحاصيل في فترة الحصاد، وتكون المحصلة تعرض هؤلاء المزارعين للسجن لعجزهم عن سداد ديونهم، وعدم وجود مرونة لجدولتها، مما يؤدي إلى عراقيل كثيرة تمنع المزارع من العودة إلى الدورة الزراعية مرة أخرى .

شارك الخبر

Comments are closed.