حصاد التماسك الاجتماعي: كيف جلب سد المياه الأمل إلى شمال دارفور

المياه هي احدى الموارد الطبيعية التي لا يمكن للمجتمعات الاستغناء عنها، وتتفاقم الحوجة تحديداً في أوقات الحرب في منطقة شمال دارفور، والتي تضررت بشدة من النزاع في البلاد، يعتمد 700,000 شخص على وادي الكوع، أحد أكبر المسطحات المائية الموسمية، لتوفير سبل عيشهم. وقد أدى التدهور البيئي الناجم عن الجفاف المتكرر والفيضانات والاستخدام غير المستدام للأراضي على مدى السنوات الماضية إلى تفاقم النزاعات المحلية بين مجتمعي المزارعين والرعاة حول الوصول إلى الأراضي والموارد المائية وكيفية استخدامها.

“يحدث عمل السد بشكل صحيح تغيير في شكل الحياة في المنطقة”، كما أوضحت سهيدة إبراهيم علي، عضوة في إحدى لجان المرأة في المبادرة في مقابلة معها قبل أن يتدهور الوضع في شمال دارفور في الآونة الاخيرة، “قد أحدث عدم وجود سد لسنوات عديدة تغيير حقيقي في القرية. غادر الشباب، ومعظمهم من الرجال، لأنه عندما تكون المياه شحيحة، تكون فرص العمل أيضا شحيحة”.

دعم الاتحاد الأوروبي على مر ال 6 سنوات الماضية مشروع يعمل على مواجهة هذه التحديات عبر مبادرة لإعادة تأهيل سد ودعة وبناء سدين إضافيين – “قُصة” و “عد البيضة”. ويشير عز الدين، وهو أحد رعاة الماشية من قرية قصة، إلى أن السد يغطي الآن مساحة 7 كيلومترات، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره منذ وقت ليس ببعيد.

تتبنى مبادرة وادي الكوع، التي ينفذها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة براكتيكال اكشن، نهجا مستداما لإدارة الأراضي الجافة بهدف تعزيز الأمن الغذائي وقدرة المجتمعات على الصمود وقد اشارت التقديرات إلى أنه من المتوقع ان تستفيد 120,000 أسرة من المشروع.

وقد أثر النزاع في الأسابيع الماضية بشدة على العديد من القرى في المنطقة، كما يوضح أحد مديري المشروع: “غادر آلاف الأشخاص منازلهم. الوضع خطير للغاية، ويعاني المجتمع من مجاعة حادة ونقص في مياه الشرب النظيفة”.

وعلى الرغم من تدهور الوضع الأمني والآثار الغير مباشرة للحرب لا يزال التزام وأمل الموجودين على الأرض قوي عوض الله حامد مدير المشروع من منظمة “براكتيكال اكشن”، حدثنا عن قراره البقاء في الفاشر، وهي منطقة غادرتها معظم المنظمات غير الحكومية، لمواصلة دعم المجتمع المحلي من خلال “توظيف علاقاتي الجيدة مع زعماء القبائل والإدارات والمؤسسات”.

“أولويتي الآن هي العمل مع الإدارة وقادة المجتمع ولجان إدارة الموارد الطبيعية ووكالة تنسيق إدارة المياه واللجنة الفنية للمشروع للحفاظ على مكاسب المشروع وضمان استدامة الأنشطة المصاحبة له”. وأضاف: “أنا متأكد من أن المشروع سيستمر وأن النازحين سيعودون إلى أراضيهم لمواصلة حياتهم. واستنادا إلى التجارب السابقة، يمكننا المساهمة في مساعدة شركائنا على الاستمرار في تسهيل التعايش السلمي بين المجتمعات المختلفة”.

على خلفية الصراع السوداني الحالي الذي اندلع في 15 أبريل 2023 وتفاقم بشكل كبير في الأسابيع الماضية استمر مشروع تنمية وإدارة مياه وادي الكوع في التكيف من خلال تعزيز الحوار والتعاون بين مجموعات المجتمع المتنوعة مما أدى الى قبول المجتمع المحلي للمشروع وضمان استدامته. ولا يتميز المشروع في تعزيز الأمن المائي فحسب، بل أيضا لدوره في إشراك المجتمعات المحلية وإنشاء هيكل حوكمة مبتكر الإدارة الأراضي والموارد المائية بشكل عادل. وهو يعزز العمل الجماعي بين المزارعين والرعاة والسلطات المحلية وموظفي المشروع.

يتكون العمود الفقري للمشروع من ثلاث لجان تنسيق وهي لجنة استشارية مسؤولة عن اصدار القرارات والتخطيط، ولجنة فنية توفر المعرفة والخبرة، ولجنة لإدارة المياه تتألف من المزارعين والرعاة وقادة المجتمعات المحلية والسلطات المحلية. وتقوم هذه المجموعة الأخيرة بالدعوة وتقديم المشورة وربط المجتمعات المحلية الشعبية باللجان الفنية وصناع القرار. ويسلط عوض الله حامد، مدير المشروع في “براكتيكال أكشن”، الضوء على أن “هذه واحدة من سمات المشروع الفريدة”.

يمتد تأثير المشروع إلى ما هو أبعد من الأمن الماني حيث يتناول ايضا التوعية حول حماية البيئة، والقدرة على الصمود في المعيشة، وعودة المجتمعات النازحة، وتمكين المرأة من خلال التدريب والإدماج في الممارسات الزراعية وخارجها. وقد أنشئت عدة آليات لتنويع سبل كسب الرزق وتعزيزها. فعلى سبيل المثال، ساعدت القروض المقدمة من مجموعات الادخار القروية أفراد المجتمع المحلي على إنشاء وصيانة مشاريع صغيرة، مثل المطاعم.

قصة رقية المقيمة في منطقة كافود، تمثل قصة نجاح ملموسة. فقد افتتحت رقية مطعما بقرض مقدم من الجمعية التابعة للمشروع. وتقول: “لقد أدى القرض من صندوق التوفير إلى تنويع قائمة مطعمنا بإضافة أطباق الدجاج وعزز أيضا إيراداتنا بشكل كبير”.

مع استمرار تهديد الحرب في مناطق المشروع في شمال دارفور وخارجها، يجب علينا ان لا ننسى الافراد الذين اختاروا البقاء وتقديم التضحيات للعمل معا لضمان الحفاظ على البنى التحتية للمشاريع طوال فترة النزاع حتى تستفيد منها المجتمعات المحلية بمجرد انتهاء الحرب.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.