مؤتمر القوى السياسية في القاهرة.. المحروسة والبحث عن سلام السودان

تقرير: سوسن محجوب

تسعى مصر مجدداً لاستعادة زمام المبادرة في الأزمة السودانية، حيث تستضيف يومي السادس والسابع من يوليو الجاري، مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين.

في وقت سابق، رحبت الخارجية السودانية بالمؤتمر، وأعلن رئيس تنسيقية تقدم د. عبد الله حمدك مشاركتهم وتقديم رؤية التنسيقية حول حل الازمة، قوى سياسية أخرى بينها الكتلة الديمقراطية من بين المشاركين.

 

الجغرافيا والأمن

يعتبر مدير برنامج شرق إفريقيا والسودان ــ كبير الباحثين فى مركز فوكس للدراسات، د. ناصر سلم، ان عوامل عديدة أساسية تجعل من مصر دورا مهما فى السودان على رأسها “الجغرافيا والأمن” ويلعبان دورا مهما، سياسيا واقتصاديا، وبديهي ان امن البلدين لا ينفصلان عن بعض، يعني أي حدث يحدث في احد البلدين لا بد ان يكون له تأثير ومردود على البلد الآخر، اضف لذلك العلاقات الاجتماعية ما بين البلدين طويلة جدا.

ويضيف سلم فى حديثه لـ(السوداني): ان “مصر مقبولة من كل الفرقاء السياسيين السودانيين منذ الاستقلال، ولا أعتقد بوجود دور سلبي لها فى الساحة السودانية، بل بالعكس كانت دائماً مؤثرة، تساند السودان للخروج من كثير من أزماته السياسية والأمنية، وبعد اندلاع الحرب، ابعدت مصر لسبب أو آخر من المعادلة الفاعلة فى الساحة السودانية.

ليست جزءا من منبر جدة المبادرات الاخرى غير موجودة فيها، والتحرك الأساسي الذي بدا قويا هو مبادرة دول جوار السودان، والتي تكللت بإحداث كثير من الاختراقات لطرفي الحرب لكن لم تقد إلى وقف إطلاق النار او لرسم خطوط عريضة لعملية التفاوض لان التركيز الأساسي كان على منبر جدة.

 

لهذه الأسباب (…)!

وفى المقابل، يشاطر الباحث فى الشؤون السياسية والقرن الأفريقي محمد تورشين، رأي د. سلم بشأن أهمية الدور المصري، وأوضح لـ(السوداني) ان المؤتمر الذي دعت له القاهرة وروجت له، خطوة إيجابية، كما ان اعلان تنسيقية “تقدم” مشاركتها في اعماله جعله على مسافة واحدة من مختلف القوى السياسية، وفعليا ــ أعلنت أهم القوى السياسية الفاعلة قبولها دعوة القاهرة ومشاركتها، مثل ائتلاف ميثاق القوى الوطنية الذي يضم الكتلة الديمقراطية وقوى سياسية متنوعة ــ باستثناء ائتلاف قوى التغيير الجذري لم تعلن حتى الآن مشاركتها من عدمه.

وأضاف: “في تقديري هو حراك جيد جداً ومن شأنه ان يؤدي إلى تفاهمات أو خطوط تواصل بين مختلف القوى السياسية والمشاركة الفاعلة لها في مناقشة الكثير من القضايا المهمة والخلافية مثل قضايا الهوية، والعلاقات الخارجية، شكل الدولة وعلاقة الدين بالدولة، ونظام الحكم، كلها قضايا خلافية ومعقدة جداً، وبالتالي الوصول إلى تفاهمات حولها مهم جداً، وحتى قضية الجيش الواحد هي مهمة وملحة، وكيفية ان تكون هناك رؤية لعملية دمج كل القوات وفي فترة وجيزة في الجيش السوداني، سواء كان ذلك خلال عملية التفاوض أو عندما تنتصر القوات المسلحة السودانية، إذاً تكمن أهمية المؤتمر في تقريب وجهات تلك القوى وتمكينها من التراضي على مقاربة حول القضايا محل الخلاف”.

 

الصراع على الأزمة 

ومنذ اندلاع حرب يناير في السودان، سعت مصر إلى طرح مبادرات في محاولة للتأكيد على أهمية دورها في السودان وهي الجار الأكثر تضرراً، كما استضافت مؤتمر دول جوار السودان بعد نحو اربعة اشهر من الحرب فى يوليو عام 2023. شاركت فيه جميع دول الجوار، إلا أن عوامل وأطرافا خارجية وفى إطار التنافس صوّرت بأن القاهرة حليف رئيسي للجيش السوداني، ربما مُنح آخرون فرصة تقويض هذا الجهد في ظل سباق محموم من دول اقليمية ودول جارة للسيطرة على مركز الأزمة السودانية وإدارتها وفق مصالحها”.

 

الاصطفافات ومتلازمة الفشل

واكد د. سلم ان مؤتمر القاهرة للقوى السياسية يمكن أن يمهد الطريق لرسم خارطة طريق وتقريب وجهات النظر ما بين الفرقاء السودانيين، تحديدا القوى السياسية، ويضيف: “من الواضح جداً ان هذه الحرب خلقت معسكرين، الجيش والدعم السريع، وخلقت معسكرين أيضاً في المجموعات الداعمة لطرفي الحرب، وهذه المعادلة خلقت فراغاً في المنتصف، يعني القوى المدينة التي يجب أن تكون في وقت الصراعات في المنتصف لتعمل على تقريب وجهات رأي الطرفين وإيصالهم إلى السلام”.

ويرى ان المبادرة المصرية يمكن ان تحدث اختراقا حقيقيا فى الازمة السودانية خاصة بعد تعثر الكثير من المنابر الأفريقية والعربية ــ اختراقا حقيقيا فى الحرب او ان تجمع طرفي الحرب او حتى ان توحد القوى التي خارج الإطار العسكري، القوى المساندة الطرفين، او تخلق “لوبي” من القوى السياسية السودانية التي تدفع بعملية السلام الى الأمام، “هناك تفاؤل كبير جدا ان تقود هذه الدعوة لتوحيد الرؤى السياسية السودانية، توحيد الآراء ما بين القوى السياسية المدنية، تقود بشكل او آخر الى توسيع ماعون التفاوض المتوقع له الشهر المقبل، وبتوسيع قاعدة المشاركة، مصر أساسية فى اي عملية تفاوض لأنها ــ مصر اساسية فى عملية استقرار السودان، وعلى ما اعتقد مصر مقبولة من كل الاطراف الموجودة”.

 

 توحيد رؤى

ويمضي تورشين الى ان المؤتمر وهو بالضرورة محاولة لتوحيد رؤى القوى السياسية المتباينة وعبر تحالفاتها المختلفة، “في تقديري لا أعتقد المؤتمر سوف يسهم بشكل او آخر فى إنهاء الحرب، لذا هي محاولة، ولكن ان تكلل بالنجاح لإيقاف الحرب استناداً الى تصريحات القائد العام للجيش ــ رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان أمس الأول، هو شيء صعب، والطرفان القادران على ذلك هما الجيش والدعم السريع، وهما غير مشاركين فى اعمال المؤتمر”، ويتابع: “لكن المشاركون من القوى السياسية عندما تكون لديهم رؤية محددة ومتوافقة فى حدها الأدنى لإيقاف الحرب، هذه الرؤى ستسهم بشكل او آخر في إيقافها، كما ان وجودهم معاً بمختلف مواقفهم هو رسالة ايجابية لطرفي الحرب بأن لديهم مشروعا وبرامج وهذا بدوره سوف يسهل من عملية التفاوض، باعتبار ان القضايا السياسية ينبغي ألا تهمل ولا يتم استبعادها من اي عملية تفاوضية قادمة، كما ان المبادرة المصرية يمكن ان تتطور لاحقاً وبعدها يمكن لمصر أن تتدخل كمبادرة فيما يتعلق بالجانب العسكري وكيفية إيقاف الحرب”.

 

مؤتمر إنساني

وفي نوفمبر من العام المنصرم، استضافت القاهرة مؤتمر القضايا الإنسانية، نظمه عدد من منظمات المجتمع المدني السودانية، شارك فيه عاملون فى مجال الغوث الانساني وممثلون لتنسيقيات النازحين واللاجئين، بالإضافة إلى منظمات الإغاثة الدولية العاملة في السودان ومنظمات الأمم المتحدة.

 

بلا أطماع

ويعدد مدير برنامج شرق أفريقيا والسودان وكبير الباحثين بمركز فوكس للدراسات: “مزايا مصر التي تؤهلها للعب دور محوري في أزمة السودان، ويقول ان اهمها هو مقبوليتها من كل الاطراف السياسية، ثانياَ القوى السياسية قاطبة، والقوى العسكرية الجيش والدعم السريع على قناعة كاملة، ان المصريين ليست لهم اي اطماع في السودان، ويهمهم استقرار الاوضاع في السودان، والاهم مصر، دورها العربي كبير جداً، ونجاح هذا المؤتمر يمكن ان يقود إلى نجاح منبر جدة”.

 

ظلال

ولا يستبعد الباحث فى الشؤون السياسية وقضايا القرن الأفريقي محمد تورشين، الدور الأمريكي والإماراتي فى التحركات المصرية وعلى رأسها مؤتمر القوى السياسية السودانية، كما ان الولايات المتحدة الأمريكية لديها تأثير كبير في مصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، حيث تحظى القاهرة بدعم ومساندة من امريكا خاصة في الجانب الاقتصادي – ودور القاهرة المحوري في الشرق الأوسط، لذلك يعتقد بوجود تنسيق بين تلك الدول.

 

بدون شيوعي

وفى المقابل، قال القيادي بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، ان الحزب لم يتلق دعوة من الحكومة المصرية للمشاركة في أعمال مؤتمر القوى السياسية الذي تستضيفه القاهرة يومي السادس والسابع من يوليو الجاري. وأضاف: “وان تلقيناها لاعتذرنا عنها بسبب وضوح موقفنا من هذه الدعوات والمبادرات”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.