ذنبي أيه غير إني مغرم

🖋️ خالد عبد العزيز 

هالني وخفق فؤادي في عتامير الوجد أن ينكر بصري مرتع الصبا وربوة الشباب.. فقد شاهدت قبل أيام مقطع فيديو حديث عن الحي الذي شهد صرخة الميلاد وحفاوة الطفولة، فلم أتعرّف على المكان للوهلة الأولى، فقد تحوّل إلى خرابٍ ودمارٍ، وتاهت ملامح الشوارع، وغابت عنه طلاوة البشارة، فقد تهدّمت جدران المنازل، ويا “منازل لك في القلوب منازل”.. وبعدئذ هامت بي الذكريات واستبدّ بي الوجد، فهي شوارع وأزقة أعرفها وتعرفني “المدرسة، أولاد الحلة، الدكان الناصية، شجرة النيم، السوق وميدان الكورة….”.

 

الحرب لعنة ندفع ثمن بضاعة لم نشترها.. تشتت الأسرة والأهل والعشيرة والأصدقاء ولم تبق لنا غير الذكريات.. ولكن يا للهول قد صار المكان متوشحاً بالكآبة وأصبح جسداً مثخناً بالجراح بلا روح.

 

وقد عشقت رحيق المكان والزمان وهو بضعٌ من روحي وفيضٌ من الذكريات.. تعلق قلبي بتلكم الشوارع وحكاوي أمهر لاعبي الكرة والمطربين من السجانة والديم والخرطوم٣ والخرطوم عموم، وبدلة حسن عطية ناصعة البياض وقصص أخرى.

 

وكروان الغناء من ذات الأنحاء الذي طربنا له ولم نره عبد الحميد يوسف، واذكريني يا حمامة كلما ساجع ترنم بي هواك وحب جمالك.. طرفي عن رؤياك يُحْرَم وذنبى أيه غير أني مُغْرَم.. فلتشهد الأيام اني مغرم بدار الصبا وأزقة الحي وبالخرطوم وبالنيل، وسماء السودان المغبرة، والسمر عند الأسحار، وأرق العشاق، وبغناء الحقيبة والقمر بوبا.

وأحن لحاج الماحي وود حليب وإنشاد الختمية والسالكين في طريق القوم.. أشتاق للدافوري وقوون المغربية بي مية.. وكانت ساعة النصر اكتمال الهلال، حينما يكون النقر وباقي دقيقة وحمد والديبة حاجة عجيبة وأحمد أبو الجاز.. بي لوعة للمة الأهل والصحبة وكما قال حميد “شن الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن”، فالوطن هو أعز ما نملك وفقده أعظم ابتلاء. وبعد أن أدمت قلوبنا المنافي والملاجئ والشتات والأحزان لا نملك إلا الذكريات والمحبة وعبير الأمل.

 

لن يسلب منا هؤلاء الظلمة حلمنا بالحياة لنا ولأبنائنا، فأجمل الأيام قادمات، ولن نيأس من روح الله.

 

فالهزيمة ليست بالرصاص، ولكن الهزيمة بأن تسود روح اليأس والإحباط.. وسنعزف لحن الحياة بأوتار المحبة والسلام وبالربابة والطمبور وبالعود وبالنقارة بالوزا، وسنطرق أبواب المستحيل وستضحك لنا الأيام من جديد.

 

نحن لسنا عابرين إدلهم بهم الطريق على هذه البلاد.. نحن أبناء الشمس والإشراق أسباط المجد وورثة البطولة والتاريخ وأوتاد الأرض ونعشق الحياة ما استطعنا إليها سبيلا.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.