إليكم…. الطاهر ساتي

ونقترب!!

شارك الخبر

:: ليلة الجمعة، اجتماع مهم بوزارة الدفاع، ليس لإعلان الحرب على دول جارة ولا لفرض السلام في ربوع السودان بقوة الجيش والدعم السريع، ولكن لبحث الوضع الأمني وأزمة المياه والكهرباء بالخرطوم.. وليس في الأمر عجب، فمع غياب أجهزة الدولة التنفيذية وتمدد مظاهر العبث والفوضى في كل مناحي الحياة، سوف يعقد رئيس هيئة الأركان وقائد قوات الدعم السريع اجتماعاً ذات يوم بوزارة الدفاع لإجراء قرعة منافسات دوري الممتاز.
:: ومن مظاهر الفوضى العارمة، عندما ينقطع التيار الكهربائي، يتوافد أهل الحي – بمراتبهم ومخداتهم وملاياتهم – إلى أقسام الكهرباء، ثم يحتلونها بالنوم بعد طرد العاملين.. والأهل قري شمال مدينة الجيلي يحتشدون أمام المصفاة، ويغلقون الطرق بالمتاريس، لمنع دخول وخروج الشاحنات النفطية، وتحدث أزمة الوقود لتتمدد صفوف المركبات.. أهل الجريف أيضاً يغلقون الطريق وكوبري المنشية غضباً عن انقطاع المياه.. و…. و..!!
:: وغياب كامل للشرطة.. حتى الدوريات التي كانت تحمي الأسواق لم تعد ظاهرة، وصراعاً بأم درمان يخلف موتى وجرحى.. والمناخ العام يغري من يشاء ليفعل ما يشاء، أي يومياً نقترب إلى الغابة وقانونها.. ويُخطئ من يراهن على قيم المجتمع وتقاليده في حفظ الأمن والسلام، ولهؤلاء نحكي تجربة مارينا.. مارينا، كانت فنانة صربية ذات جمال وثقافة وحياة ثرة بالتجارب الإنسانية.. ومن تجاربها الشهيرة، مغامرة أرادت بها اختبار سلوك البشر في حال منحهم الحرية المطلقة في اتخاذ القرار.
:: قررت مارينا الوقوف على طاولة في مكان عام بلا حراك، أي كما التمثال.. وكانت قد وضعت على الطاولة بعض السكاكين والأزاهير والعصي والحلوى وأكواب ماء ومسدس وأشياء أخرى.. عن ساعة الوقوف الأولى، لم تثر وقفتها انتباهة المارة، ولم يسألها أحد عن أسباب وقوفها بلا حراك.. ولكن بعد ساعة أخرى، أثارت وفقة مارينا الساكنة انتباهة المارة والسيارة.. ثم توالت ردود الأفعال.
:: وضع أحدهم زهرة بين أصابعها، ولم تشكره مارينا ولم تبتسم.. وجاء آخر ووضع قطعة حلوى بين شفتيها، فلم تمضغها ولم تشكره.. وجاء الثالث واجتهد في سقايتها، ولم تتحرك مارينا ولم تفتح فمها ولم تشكره.. هكذا كانت ردود أفعال الناس طوال ثلاث ساعات الوقوف الأولى.. ردود أفعال إيجابية وسلمية وإنسانية راغبة في مساعدتها وخدمتها.. ولكن، لم يستمر هذا الوضع طويلاً.. إذ شرعت الجماهير في إظهار ردود أفعال أخرى.
:: أشهر أحدهم المسدس في وجهها ثم وأمرها بمغادرة المكان.. لم تتحرك مارينا، فوضع المسدس على رأسها، ولكن تدخل البعض وأبعدوا المسدس.. وجاء آخر بسكين، ومزق ملابسها حتى تعرت، فلم تتحرك.. وبعد التعري، تحرشوا بها باللمس في مناطق حساسة من جسدها ولم تتحرك مارينا.. ولكنها أدمعت.. ولم تمنعهم دموعها عن التمادي في التحرش وإظهار السلوك العدواني.. وعند الساعة السادسة، تحركت مارينا من مكانها، فهرب الجميع..!!
:: (البشر الذين نلتقيهم يومياً، ونتعامل معهم في حياتنا، مهما إختلفت أعراقهم وثقافاتهم وأعمارهم، فلهم القدرة والرغبة في ارتكاب الأخطاء والجرائم وإظهار السلوك العدواني، ولكن فقط في حال أن يجدوا من يتيح لهم الفرصة)، هكذا لخصت مارينا تجربتها.. وبغياب أجهزة الدولة التنفيذية والرقابية، أتاحوا فرصة ارتكاب الأخطاء والجرائم لبعض البشر.. وهناك من يُحمل مسؤولية ما يحدث للمجلس العسكري، والبعض الآخر لقوى الحرية والتغيير.. ولكن أياً كان المسؤول، فلا قيمة له ولا معنى، عندما يصبح الحدث (فوضى عارمة).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.