إليكم… الطاهر ساتي

وكسبت الرهان!!

شارك الخبر

:: تساجلت مع زميل قبل ثلاث سنوات، وكتبت ما يلي:
:: كان الأب يجتهد في قراءة الصحيفة، ولكن ابنه الصغير لم يتوقف عن مضايقته مُداعباً.. ما أن يفتح صفحة، إلا ويقلبها الابن ويفتح صفحة أخرى.. فكر في الحل.. ونزع من الصحيفة صفحة تغطي خريطة بلاده كل المساحة، ومزقها إلى أجزاء صغيرة ثم ناولها للابن مخاطباً (أعد ترتيب الصفحة بحيث تعيد تجميع خريطة بلادك كما كانت)، ثم عاد للقراءة بعد نجاحه في إشغال الابن بإعادة الخريطة.. وكانت المفاجأة أن الابن أعاد الخريطة – كما كانت – خلال دقائق!
:: سأله الأب حائراً: (هل أمك تعلمك الجغرافيا؟)، فرد الصغير: (لا، كانت هناك صورة إنسان – من بلادنا – على الوجه الآخر من الصفحة، وعندما أعدت بناء هذا الإنسان أعدت بناء شكل البلاد).. كانت العبارة عفوية، ولكنها الأعمق في التعريف ما بين علاقة المواطن بالوطن .. ثم بالحدث – وشكل البناء – يتجلى فرق التفكير الشاسع ما بين جيل لم ينظر إلى الوجه الآخر للوطن والجغرافيا بحيث يرى فيه (الإنسان المستهدف بالبناء)، وجيل آخر لا يرى الوطن والجغرافيا إلا في شكل هذا (الإنسان المستهدف بالبناء).
:: وعندما يصف أحد زملائي – بجهل أو بحسن نية أو مع سبق الإصرار والترصد – شباب اليوم بجيل (أغاني وأغاني)، وأنه جيل لا يبالي بقضايا بلاده وشعبها، فإن الأخ الزميل يفكر (كما ذاك الأب)، أي يظن أن البلاد هي محض جغرافيا وأرض وحكومة ومعارضة، وأن هذا الجيل كما هو عاجز عن ترتيب أوضاع الأرض والجغرافيا والحكومة والمعارضة، لا يبالي أيضاً حتى بقضايا ترتيب تلك الأوضاع.. وللأسف العميق، هذا الظن (خاطئ جداً)!
:: جيل أغاني وأغاني، رغم أنه من ضحايا الأجيال السابقة، إلا أنه الأكبر والأعمق وعياً بما يحدث (حالياً).. قد تبدو عليه علامات اللامبالاة ومظاهر التجاهل، ولكن من يحدق بعمق – في تلك العلامات والمظاهر – يكتشف فيها التمرد النبيل على هذا حال الواقع (الواقع فعلا).. تمرد على العنصرية والقبلية، تمرد على الطائفية والشمولية، تمرد على طرائق التفكير البالية وغير ذات الجدوى على الحاضر والمستقبل، ثم تمرد على أجيال لم تصنع الوطن المنشود ولم تحافظ على الوطن (كما هو).
:: وبالتأكيد، جيل بهذا التمرد النبيل لن يغرق في تفاصيل حياة الأجيال السالفة وتتشبع.. ثم ليست من الحكمة أن تتحول الأقلام إلى أداة لنشر ثقافة اليأس والإحباط في جيل لم تصرفه أغاني وأغاني عن شارع الحوادث – ومئات النماذج الصامتة – ليسد عجز وفشل الأجيال السابقة.. ولم تصرفه أغاني وأغاني عن الخروج لرصاص سبتمبر ثم التحليق الجماعي بأجنحة الشجاعة تاركاً الأجيال السالفة تنشد وتغني لـ (القرشي وحده).
:: ولم تشغله أغاني وأغاني عن النفير وصدق التعبير عن حبه لبلده ومجتمع بلده بلا مقابل ثروة سلطة أو جاه معارضة.. وكذلك، لم – ولن – تصرفه ثقافة الإحباط واليأس بحيث يكون (أمل باكر).. هل تراهن يا صديقي؟.. نعم، (أمل باكر)، بكل معاني هذا الأمل المرتجى منذ عام الاستقلال وجيل التضحيات، بما فيها معنى إعادة بناء الإنسان ليكتمل بناء الوطن من خلال هذا الانسان، أي ليس محض تغيير أشخاص بآخرين من ذات (الأجيال السالفة)، ليواصلوا تمزيق الإنسان قبل الجغرافيا!!
من أرشيف الكاتب
15 مايو 2016

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.