إليكم… الطاهر ساتي

تأزيم الأزمات!!

شارك الخبر

:: عندما سألتني المذيعة عما قد يحدث بعد فشل المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، قاطعتها: (قبل الحديث عن السيناريوهات المتوقعة، يجب التأكيد بأن المفاوضات (لم تفشل بعد)، ولكنها تعثرت، وهناك فرق).. نعم، حتى الآن لم تفشل المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بحيث تعود البلاد إلى مربع ما قبل الثورة والتغيير وخلع نظام البشير، أو كما يسعى البعض ويرغب.. لم تفشل بعد، بدليل رغبة الطرفين على مواصلة المفاوضات بواسطة ما سموها باللجان الفنية.
:: وكل ما في الأمر أن هناك أزمة بحاجة إلى (إدارة واعية).. وللأسف، ليس فقط في هذا التعثر، بل منذ استقلالنا وحتى صباح هذا اليوم، يجهل ساستنا علم إدارة الأزمات.. ومن ذاكرة التاريخ، في العام 1962، كادت واشنطن وموسكو تشعلان الحرب العالمية الثالثة بسبب الصواريخ الروسية.. ولكن، في اللحظات الأخيرة، تراجعت موسكو وأبدت استعدادها على تفكيك الصواريخ مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا.. وهكذا انتهت الأزمة التي بلغت مقاماً لوح فيه الرئيس الأمريكي بإشعال الحرب العالمية الثالثة إن لم تتخلص موسكو من تلك الصواريخ.
:: وعند انتهاء الأزمة، قال وزير الدفاع الأمريكي ما كنمارا: (الآن نستطيع أن نقول لقد انتهى عصر الاستراتيجية وبدأ عصر جديد يمكن أن نطلق عليه عصر إدارة الأزمات).. كان سعيداً بانتصار العقل على الجنون.. ومن التصريح عرفت عقول الساسة مصطلح (إدارة الأزمة).. كيف نجحت واشنطن في إقناع موسكو بتفكيك الصواريخ؟ وكيف وافقت موسكو تفكيك الصواريخ رغم أنها قوة عسكرية موازية لأمريكا؟.. في ثنايا الإجابات تتجلى العبقرية التي أدارت الأزمة في (الغرف المغلقة)، وليس في مواقع التواصل.
:: وتعريف الأزمة أنها مخاطر متوقعة تهدد المجتمع، وتعريف إدارتها بأنها المحافظة على المجتمع بحمايته من تلك المخاطر أو تخفيف آثارها في حال عدم التمكن من الحماية الكاملة.. وللأسف هذا ما ينقص أحزابنا ونخبنا، ولذلك كثيراً ما نغرق في (شبر موية).. دائماً هناك حلول، والسياسي الحصيف يختلف عن عامة الناس بالبحث عن تلك الحلول بحكمة وذكاء، وليس بالتهريج والتصعيد و(تأزيم الأزمات).. ودائما هناك طريق ثالث، ولكن فقط لمن يطلقون عنان التفكير للعقول، وليس لثيران مستودع الخزف.
:: وكما ذكرت في بدايات الشد والجذب، فإن السياسة هي (فن الممكن)، أي تأخذ المكاسب المتاحة ثم تحاور من أجل المزيد بوعي وحكمة وليس بالتصعيد.. فالحل في الحوار وليس (في البل)، أو كما كان يهتف الثوار خلال أشهر ثورتهم ضد الرئيس المخلوع.. فالمجلس العسكري شريك أصيل في (الخلع).. وبما أنه يمثل الجيش والدعم السريع والشرطة والأمن، فهو ليس عدواً للتغيير، بحيث يهتف البعض ضده عند كل (تعثر).. وتحويل المجلس العسكري إلى عدو يعني تقوية الثورة المضادة بغباء مدهش.
:: علما بأن المجلس العسكري قدم من التنازلات ما ينفي عنه تهمتي (العداء والتعنت).. غادر رئيسه السابق الفريق أول عوض بن عوف كأول – وأسرع – تنازل، ثم غادر ثلاثة من عضويته.. ثم وافق لقوى الحرية والتغيير بأن تكون الممثل الوحيد للشعب رغم وجود قوى أخرى (معارضة أيضاً).. ثم وافق بأن تحتكر قوى الحرية والتغيير كامل الجهاز التنفيذي، والأغلبية في الجهاز التشريعي (67%)، ثم التمثيل في المجلس السيادي.. لو كان المجلس العسكري (متعنتا)، لما قدم كل هذه التنازلات.. حاوروه، وما تحققت كل هذه المكاسب إلا بالحوار في القاعات المغلقة، وليس بالتصعيد تحت سمع وبصر الثورة المضادة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.