الإعدام للمتهمين بقتل الطالب أمجد .. تفاصيل جريمة غامضة

الخرطوم : محمد أزهري

الساعة العاشرة والربع في اليوم الثامن من نوفمبر الماضي، كانت موعداً لجريمة غامضة آثارت الرأي العام، بحي الصحافة جنوب الخرطوم، راح ضحيتها الطالب الجامعي أمجد البشير (23) عاماً، طعناً بالسكين على يد لصين أرادا سرقة هاتفه.
رغم غموض الجريمة إلا أن شرطة قسم السوق المحلي أوقفت متهمين وقدمتهما للعدالة، فواجه الجانيان حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت قصاصاً أمس (الإثنين) أمام قاضي محكمة جنايات الامتداد راشد أحمد ناصر، وسط حضور كبير لأولياء الدم.

الإدانة
انطلقت محاكمة المتهمين قبل نحو أربعة أشهر، إذ مثل فيها الاتهام المحامي “أيوب علي داني”، وبدأت بسماع أقوال المحقق، والشاكي والمبلغ، إلى جانب شهود من المباحث، فضلاً عن سماع إفادة تقرير الطبيب الشرعي.
القاضي راشد ناصر أدان المتهمين بالاشتراك في القتل العمد استناداً على الاعترافات القضائية من المتهمين، والبينات الظرفية، فضلاً عن مناقشته للاستثناءات الواردة في القانون الجنائي بشأن المادة 130 ووجد أنهما لم يستفيدا منها، إلى جانب عدم استفادتهما من موانع المسؤولية الجنائية لأنهما بالغين سن الرشد ومكلفين، وصولاً إلى اختيار أولياء الدم للقصاص.

كيف وقعت الجريمة!
الساعة العاشرة وعشرين دقيقة، في الثامن من نوفمبر الماضي كانت لحظة وقوع أكثر الجرائم غموضاً بدائرة اختصاص قسم شرطة السوق المحلي ووضعته في تحدِ كبير، نسبة لشح المعلومات الأولية عن الجانيين، وعدم صلتهما بالمجني عليه، الطالب أمجد البشير، لم يكن هناك سوى شاهدين فقط تعلقت بهما آمال الشرطة، وهما شرطي يتبع للسياحة والآثار، كان يحرس مطعم (دار السلك) يقابل مكان الحادثة، وسائق حافلة كان ينتظر دوره في صف وقود، هذان الخياران كان الشرطي أكثرهما قرباً لا يفصله عن المسرح سوى الطريق الرئيسي فقط، أما السائق فكان قريباً بعض الشيء.

ماذا قال الشرطي؟
(وقتها) وحسب مصادر (السوداني) فإن شرطة السوق المحلي دونت بلاغها ضد مجهول، وزارت مسرح الجريمة وكان عبارة عن بقع دماء في الأرض أمام واجهة عمارة تجارية سكنية يقطنها عدد من الأسر من بينها أسرة الضحية، الذي أحيلت جثته إلى مستشفى الفؤاد في ذلك الوقت. المسرح كان به هاتف محطم تبين أنه يخص الضحية، وهذا الواقع أفرز غموضاً كثيفاً لكنه أشار إلى أن الجريمة ذات طابع فجائي صاحبته معركة مفاجئة تخللتها مقاومة شرسة من قبل الضحية، هذا ما أكده الشاهد الأول شرطي السياحة، إذا قال إنه كان يعمل على حراسة مطعم مقابل لمسرح الجريمة، وبعد الساعة العاشرة مساء رأى شخصان يتصارعان قرب (مسطبة) ظنهما يتهازران، وبمراقبتهما لمح سكيناً قد خرجت من أحدهما وبدأ يسدد طعنات إلى الثاني، وهنا بدأ الأمر لديه يختلف ونهض وأسرع نحوهما، إلا أن حامل السكين قد فر هارباً، ولم يطارده لأن تركيزه واهتمامه انصب نحو المصاب ووقتها كان على الأرض ودماؤه بدأت تنهمر بغزارة، الشرطي أضاف أنه نادى بأعلى صوته موجهاً نداءه إلى أعلى العمارة، فسمعه شقيق الضحية وقتها فنزل وبدأت محاولات إسعافه إلى مستشفى الفؤاد، اهتمام الشرطي بالضحية كان منطقياً في وقت احتفظ في ذاكرته بملامح الجاني وحجمه لكن هذا الاحتفاظ كان لملامح الجاني من الخلف.
شاهد آخر وهو سائق الحافلة قال إنه رأى الجناة لكنه لم يوضح ملامحهما بصورة جلية، في وقت أمر رئيس قسم السوق المحلي بعمليات تمشيط المنطقة لكنها لم تعثر على مشتبهين يحملون تلك الأوصاف.

3 فرضيات!
المصادر كشفت للصحيفة أن شرطة محلية الخرطوم شكلت فريقاً متمرساً لفك طلاسم الجريمة، وأشارت إلى أن الخطة الأولية لكشف الغموض انحصرت على ثلاث فرضيات، الأولى منها تقول إن الجريمة ذات طابع أخلاقي نظراً لطريقة تنفيذها الانتقامية وعدد الطعنات، فيما أشارت الفرضية الثانية إلى أنها ذات بعد يتصل بالمخدرات نسبة لعمر الضحية وهو شاب، وكانت الفرضية الثالثة والأخيرة، هي دافع السرقة، لكن ربما استبعدت التحريات بعض الشيء الفرضية الأخيرة نسبة لوجود هاتف الضحية بمسرح الجريمة، ولتأكيد أو إثبات هذه الفرضيات كان لا بد من إخضاع أسرة الضحية لتحريات. شرطة القسم استدعت أفراد عائلة الضحية وأخضعتهم لتحريات مكثفة وشفافة عن حياة ابنهم وعلاقاته في إطار الأسرة و الحي وامتدت التحريات داخل الجامعة التي يدرس فيها، والتحريات خلصت إلى أن جميع النتائج كانت تؤكد أن الضحية كان شاباً مستقيماً ليس له خلافات مع أشخاص إلى جانب أنه صاحب سيرة خالية من أهواء الشباب على النطاقين الأسري والجامعي. هذه المعلومات جعلت الشرطة تستبعد الفرضيتين الأوليتين (أخلاقي – مخدرات)، وحصرت تحرياتها حول الدافع الثالث (السرقة).
قبض عشوائي!

المصادر استرسلت في حديثها لـ(السوداني) إن الشرطة قطعت بأن الدافع الأساسي للجريمة هو (السرقة)، لذلك بدأ فريق الميدان عمليات حسب توجيهات مدير شرطة المحلية ورئيس القسم، على أن ترتكز على توقيف معتادي الإجرام بدائرة الاختصاص التي تكتظ بمعتادي الإجرام والمشردين نسبة للموقع التجاري لدائرة اختصاص القسم الذي يغطي أربعة أحياء سكنية فقط لكنها مكتظة بالمتاجر والأسواق المتعددة التي تشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً، فضلاً عن الميناء البري وتعدد أندية المشاهدة بالمنطقة، هذا الأمر فرض تزايد كبير لمعتادي الإجرام الذين يمارسون السرقة والنهب وتسبيب الأذى الجسيم، لذلك شن فريق العمل حملات متواصلة أفضت للقبض على (200) شخص بين معتاد ومشرد، وضعتهم الشرطة بحراساتها وفقاً للمادة (69) وتفسيرها (الإزعاج العام) لكنها أخضعتهم بصورة غير مباشرة لتحريات تتعلق بالجريمة، مع عمليات تطابق لأوصاف المشتبهين مع أوصاف الشاهد الأول الشرطي، وهذه خلصت إلى تطابق أوصف (86) منهم أولياً، هؤلاء قيدتهم رسمياً في سجلاتها لكنها عادت واستبعدتهم من إلصاق التهمة وسلمتهم إلى شرطة أمن المجتمع حتى لا تعيد القبض عليهم مرة أخرى، لكن كل هذا بعد أن لاحظ فريق التحري بقيادة رئيس القسم اختفاء (6) معتادي إجرام متخصصين في النهب والسرقة بدائرة الاختصاص منذ وقوع الجريمة وحتى لحظة القبض على المشتبهين.

عمليات بحث جديدة!
المصادر قالت إن فريق البحث والتقصي بدأ رحلة بحث جديدة لكنها هذه المرة في نطاق ضيق لأشخاص محددين وهم ستة معتادين اختفوا منذ وقوع الجريمة عن دائرة الاختصاص، الفريق جمع معلومات دقيقة عنهم، لكن الوصول إليهم كان صعباً للغاية، هذا ما عزز الاشتباه فيهم لدى الشرطة، وجعلها أكثر حاجة لتوقيف أحدهم، عمليات البحث استغرقت أياماً طويلة ربما ولدت تساؤلات لدى أسرة الضحية وبعض المحيطين بالحادثة عن فشل الشرطة في توقيف الجاني أو الجناة، فضلاً عن الصمت الذي مارسته خلال عملياتها.

أول متهم!
المصادر واصلت حديثها للصحيفة قائلة في عصر يوم (29) من الشهر الماضي كان الفريق الميداني يضرب موعداً لأول خيط قوي يشير إلى وجود أحد المختفين الستة بالسوق المركزي. انطلق الفريق ونجح في القبض عليه، وهو (م) أحد معتادي الإجرام المعروفين بالمنطقة، يقيم بحي دار السلام بجبل أولياء، لكنه سرعان ما قال إنه كان مريضاً يرقد بمنزله لفترة طويلة، واقتادته إلى القسم .. وماذا قال.

المفاجأة!
(وقتها) ربما لم تصدق الشرطة نفسها وهي أمام متهم رئيس في أكثر الجرائم غموضاً في دائرتها، هذا حسب المصادر، المتهم (م) أخضعته شرطة القسم لتحريات ذكية استخدمت فيها أساليب تحرِ متقدمة جعلت المتهم ينهار ويقول: ( في يوم الحادثة، كنا أنا و(ص) بأحد أندية المشاهدة خرجنا واتفقنا على أن نذهب إلى الشارع ونسرق (أي حاجة)، وأثناء سيرنا رأينا شاباً يجلس على (مسطبة) وأشار إلى مكان الجريمة، وأضاف رأيناه يتحدث بالهاتف، اتفقنا على أن أتيه أنا من الخلف و(ص) من الأمام، أنا أخنقه و(ص) يخطف الهاتف، وبالفعل تقدمنا وعند وصولنا نفذنا ما اتفقنا عليه، لكن الضحية قاومنا وألقى بي أمامه بقوة لكني عاجلته ببونية في وجهه جعلته يترنح، ناحية (ص) فأمسك به بقوة ووقتها أنا لاحظت أن شرطياً يجلس في الاتجاه المقابل يتقدم ناحيتنا، فأطلقت ساقي إلى الريح دون أن أسدد طعنات للضحية، وأثناء ذلك رأيت (ص) يشهر سكينه ويسدد طعنات للضحية لأنه كان ممسكاً به بقوة، وكان الشرطي قد اقترب منهما. المتهم الأول واصل حديثه حسب التحريات التقينا في صباح اليوم التالي بالسوق المركزي ووقتها علمنا أن هناك شاباً قتل ليلة أمس، ومن هنا أنا ذهبت إلى منزل أسرتي بدار السلام و(ص) ذهب إلى منزل والدته بتعويضات (مايو).

مفاجأة ثانية!
حسب معلومات (السوداني) فإن عملية اعتراف المتهم الثاني (ص) لم تكن بالعملية السهلة، رغم سرعة القبض عليه في مداهمة لمنزل والدته بمايو عند الساعة الثانية ظهراً في اليوم الأول من الشهر الجاري، (ص) الذي يعتبر معتاداً معروفاً كان عنيداً بعض الشيء، عرضته الشرطة على الشرطي الشاهد الأول في طابور استعراف بين تسعة أشخاص فلم يجد الشاهد صعوبة في التعرف عليه في كل مرة حسب استراتيجية الطابور، بيد أنه أنكر صلته جملة وتفصيلاً بالواقعة، ونفى علاقته بالمتهم الأول، إلا أن فريق التحري كان ذكياً في التعامل مع حالته، وواجهه بسيل من المعلومات والأدلة جعلته يقر مبدئياً ويدلي بمعلومات عن الحادثة حتى إنهار وأكد أنهما قتلا الضحية وأكد كذلك على كل ما قاله المتهم الأول (م) في اعترافاته، لكنه نفي بعض الأفعال، التي أسندت له من قبل شريكه، وبقيت نقطة خلاف بينهما في أنه لم يسدد طعنات للضحية وحده بل (م) أيضاً سدد له طعنات، كما أقر وأرشد على آداة الجريمة (السكين)، وقاد الشرطة إلى مكان يخبئها فيها أسفل (مرتبة) داخل عمارة بالسوق قريبة من السوق المركزي، وعثر معها على فانيلة بها آثار دماء بشرية أرسلتهما الشرطة إلى المعامل الجنائية لتأكيد تطابق الدماء مع دماء الضحية.
الإعدام
بعد أن أصدر القاضي راشد أحمد ناصر حكمه بالإعدام على المتهمين، أمر برفع الأوراق إلى المحكمة العليا لتأييد القرار عقب نهاية فترة الاستئناف.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.