المجلس العسكري والحل الأمني!

الخرطوم: شهدي نادر

لجوء النظام السابق للحلول الأمنية في مواجهة التظاهرات لم يحقق النجاح في إيقاف المد الثوري وإخماد مسعى السودانيين وقتل رغبتهم في الإطاحة بالنظام حسبما أكد رئيس اللجنة الفئوية بالمجلس العسكري الانتقالي الفريق أول طيار صلاح عبد الخالق خلال حديثه أمس الأول بمشروع التماسك الاجتماعي بالنادي القبطي، مقرا بفشل تجربة الحكومة السابقة التي ثار الشعب ضدها وانتصر في خاتمة المطاف.

ذمة المجلس
إقرار عبد الخالق يأتي عقب أحداث شهدتها البلاد والثورة في عهد المجلس العسكري الذي تولى زمام الأمور في الحادي عشر من أبريل الماضي. أحداث سالت خلالها دماء كثيرة بدأت من خلال التصعيد وإغلاق بعض الطرق خارج حدود الاعتصام، لتتولد احتكاكات عديدة بين الثوار والأجهزة الأمنية تمظهرت في الثامن من رمضان الذي شهد محاولات أمنية عدة في الصباح لإزالة متاريس شارع النيل وفتحه أمام حركة المرور، لتنهمر الدماء تحت بصر المجلس العسكري الذي درأ التهمة عنه بأن متفلتين من القوات النظامية تسببوا في إزهاق أرواح الأبرياء من الثوار جرى توقيفهم تمهيدا لتقديمهم لمحاكمات.

تعهد بالحماية
حديث عضو المجلس العسكري صلاح عبد الخالق، حول فشل الحل الأمني ينافي واقع الشارع الذي شهد أحداثا وصلت حد فض الاعتصام بقوة مفرطة لدرجة سقوط عشرات القتلى والجرحى، وقبلها كان هناك عدد من الاحتكاكات التي خلفت قتلى من جانب المعتصمين في عهدة المجلس العسكري الذي تعهد باكرًا على لسان الناطق الرسمي الفريق شمس الدين كباشي بعدم استخدام العنف ضد المعتصمين والعمل على حمايتهم وحماية الاعتصام الذي تفرق في نهاية الأمر بقوة مفرطة أمام قيادة الجيش بالخرطوم في الثالث من يونيو فيما عرف بمجزرة الـ29 من رمضان.

الذخيرة تتحدث
رغم هول صدمة العنف المصاحب لعملية فض الاعتصام، إلا أن ذلك لم يُثنِ المتظاهرين عن التخلي عن سلاح السلمية، وسرعان ما خاطب تجمع المهنيين السودانيين الثوار بالالتزام بالسلمية وعدم الانجرار وراء دعوات مجهولة أطلقت لمبادلة العنف بالعنف، فدشنوا مواكب ومسيرات الأحياء التي أيضا لم تسلم من تحرش القوات الأمنية بسلميتها التي أكدتها عبر شعاراتها المرفوعة منذ التاسع عشر من ديسمبر متسببة في إحراج النظام السابق وأساليب مواجهته للحراك السلمي الذي تتمسك به الثورة حيث اعترضت قوة شرطية متظاهرين عزل بالقرب من تقاطع (الرومي) بالثورة أمس الأول، وأقدمت على إطلاق أعيرة نارية في الهواء فضلا عن استخدام الغاز المسيل للدموع وهو مشهد تكرر في شارع الوادي بأم درمان، بالإضافة إلى تفريق ندوة دعت لها قوى الحرية والتغيير بضاحية الفتيحاب.
الأمر لم يتوقف وتمددت سطوة الحل الأمني حتى شمبات التي منعت من استضافة ندوتها في ميدان الرابطة لتنتقل إلى ميدان الشيخ زين العابدين.. وهناك في الشعبية كان الأمر يبدو أكثر صعوبة لدى حدوث احتكاكات ومطاردات أفضت إلى اعتقال أكثر من شاب داخل إحدى الصالات الرياضية في انتهاك واضح لخصوصية المكان الذي لجأوا إليه، ليتكرر ذات سيناريوهات ما فعله نظام البشير.

غير مُجْدٍ
الخبير العسكري اللواء معاش أمين إسماعيل مجذوب خلال حديثه لـ(السوداني) يقول إن الحل الأمني يستعان به كأسلوب لمجابهة المتظاهرين الذين يجنحون للتخريب وإشاعة الفوضى التي لم تتوفر في الثورة السودانية الممتد عمرها منذ ديسمبر بشهادة المجلس العسكري نفسه، مبينا أن الأسلوب هذا لا يجدي وخاصة في الحالة السودانية لأن السودانيين بطبعهم شعب سلمي ولا يحبذون العنف في الوصول لغاياتهم ولهم خبرات متراكمة في مناهضة الأنظمة عبر العمل السلمي الذي دشن في ديسمبر متسلحا بخبرة أكتوبر 1946 وأبريل 1985.

ملاحقة البيوت
ما عاشته مناطق بالثورة أم درمان لم يكن بأفضل حال عما جرى بضاحية الديم جنوبي الخرطوم التي شهدت هي الأخرى تطويقا أمنيا كاملا من قبل قوات أمنية استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرة جابت الشوارع بهتافات تطالب بالحكم المدني والقصاص من منفذي مجزرة القيادة العامة بحسب تقارير صحفية أكدت أن القوات الأمنية لم تكتفِ بتفريق التظاهرات وإخلاء الشوارع، وإنما امتد الأمر لمطاردة المتظاهرين إلى داخل البيوت التي احتموا بها تجنبا لبطش العسكر، كما منعت السلطات ندوات لقوى الحرية والتغيير في الرياض والجريف حيث منحت الحضور (5) دقائق لمغادرة أماكن الندوات، واشترطت الحصول على تصديق من (الشرطة، الأمن والدعم السريع ) لإقامتها.
وبحسب مراقبين، فإن ما جرى خلال الأيام الماضية من استخدام للحلول الأمنية يفند ادعاء عضو المجلس العسكري صلاح عبد الخالق خلال إقراره بفشل العمل الأمني في احتواء التظاهرات، وإلا لما كان اللجوء لاستخدامه مجددًا.

بدون حلول
المجلس العسكري ليس لديه حلول سوى الحلول الأمنية باعتبار أنه قادم من نظام لا يعرف سوى الخيارات الأمنية، ولجوؤه إليه يؤكد عدم مقدرته على التفكير خارج صندوق فكرة النظام السابق التي اتخذت الخيار الأمني أسلوبا لمواجهة أي حروب أو مشكلات سياسية كما يقول القانوني والمحلل السياسي حاتم الياس في حديثه لـ(السوداني) أمس، ويذهب إلى أن الأمر تعدى قانون الطوارئ إلى حالة ما يشبه حربا يشنها المجلس العسكري على المدنيين وقوى الحرية والتغيير، مبينا أن المجلس العسكري أحوج ما يكون لمستشارين وطنيين مستقلين تكنوقراط لمساعدته على قرءاة المشهد بشكل يمكن من اتخاذ القرارات والتفكير له بشكل جديد يتماشى مع المستجدات على أرض الواقع.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.