بإعادة (الإنترنت) أحكام القضاء في السودان.. المهنية تهزم التسييس

الخرطوم : هبه علي

أحكام القضاء تختلف في حياديتها واستقلاليتها عن السياسة باختلاف الأنظمة الحاكمة، فالدول كاملة الديمقراطية تتمتع بقضاء حر ومستقل وشفاف، وبالعكس في الدول ذات الأنظمة الشمولية والاستبدادية، ففي السودان وعلى مر تاريخه عرف القضاء بالحيادية، إلا أن البعض أتى بدعوات لتطهير القضاء من الدولة العميقة التي تمكنت منه في حقبة النظام البائد المتهم بتأثيره على سير العدالة بما يخدم مصالحه..
بيد أن هنالك أحكام قضائية صدرت ضد سياسة النظام كقضية إعادة خدمة الإنترنت من شركة اتصالات أمس الأول وقضايا إبان النظام البائد كقضية القيادي بحركة تحرير السودان إبراهيم الماظ العام الماضي وقضية مبنى اتحاد عمال نقابات عمال السودان، فإلى أي مدى كان تأثير النفوذ السياسي على الأحكام القضائية.. (السوداني) التقت بخبراء القانون والسياسة للتوضيح..

هيمنة جماعات
المحلل السياسي د.الحاج حمد أكد لـ(السوداني) أن الأحكام القضائية من حيث المبدأ يجب أن لا تأخذ بعداً سياسياً أو تتأثر بالسياسة وكذلك التحفظ على أي قرار يتخذه القضاء المستقل وأضاف: إذا كان السياسي نفسه المدان أو مؤيد أو معارض لكتل سياسية فإجراءات القضاء روتينية ويجري استئنافها بدرجات القضاء المعروفة.
وقال د. الحاج إن التدخل السياسي في الأحكام القضائية ينم عن نظم فاشلة فعندما يكون فصل السلطات ضعيفاً والقناعة بمؤسسية الدولة ضعيفة بسيطرة جماعات تربطها مصالح على السلطة السياسية والهيمنة عليها وخارجها فبالتالي يضعف القضاء ويصبح تابعاً، ما يجعل الدولة عرضة للانقلابات العسكرية والفوضى.

الأنظمة تبت
القانوني محمود الشيخ أوضح في حديثه لـ(السوداني) أن صدور أحكام قضائية كثيرة ضد هوى السلطات منها شغل حيزاً للرأي العام، مشيراً إلى قضية صحيفة التيار ضد جهاز الأمن التي ترافع فيها القانوني نبيل أديب وصدر بها حكم بمعاودة الصحيفة للصدور ولكن بعد كل هذا السلطات تحايلت على الحكم القضائي وقامت بإيقافها عن الصدور مراراً.
ويرى الشيخ أن هنالك قضايا كانت بمعزل عن الرأي العام بحكم خصوصيتها كقضية خصت ابنة مسؤول وقضايا انتزاع الأراضي، مؤكداً على أن دولة سيادة حكم القانون يجب أن يكون العدل فيها سائداً والقانون لا يفرق بين كبير أو صغير أو صاحب سلطة وكل مخطئ ينال عقابه وكل صاحب حق ينال حقه.
وقطع الشيخ بأن الأنظمة الديكتاتورية هي التي تتحكم في القضاء بحيث إنه يتم التغيير حسب المصلحة لتخدم مصالح النظام عبر إصدار أحكام في مصلحة النظام الحاكم الديكتاتوري، مشيراً إلى أن هذا ظهر جلياً في نظام الإنقاذ، مشدداً على أنه العهد الذي تم به استلاب السلطة القضائية بالكامل وأن الاستلاب لم يحدث في عهد نميري أو عبود، مضيفاً: ففي حقبة نميري كانت هنالك مخالفات متعلقة بالسلطة القضائية ولكن لا يوجد استلاب كامل والقضاة أضربوا بالكامل في حقبته ماعدا قاضيين أو ثلاثة.
وقال الشيخ: الـ30 سنة الأخيرة حوت أحكاماً ضد الدولة، بيد أنها كانت محددودة التأثير، مشيراً إلى أن التأثير لو كان كاملاً أو كبيراً لكان حدث توجيه بحيث إن الأحكام تصدر في صالح الدولة، آخذاً في المثال مجموعة كبيرة من القضايا الدستورية، وأضاف: إذا عدنا للخلف لتواريخ المحكمة الدستورية سنجد أن معظم القضايا الدستورية التي رفعت ضد مؤسسات الدولة أو النظام الحاكم شطبت وهذا يشير إلى عدم تطبيق الدستور. منوهاً إلى أن الذي حدث في حكم إرجاع خدمة الإنترنت من شركة الاتصالات ليس بالحكم القضائي وإنما هو أمر وقتي بأن تعود خدمة الإنترنت إلى أن يبت في الدعوة بقرار نهائي.

حق مكفول
أستاذة القانون بجامعة النيلين د. زحل محمد الأمين أكدت في حديثها لـ(السوداني) أن قضية شركة الاتصالات التي صدر فيها حكم لصالح القانوني د. عبد العظيم حسن ضد شركة زين هو في الأصل حق مكفول، مشيرة إلى أن حرية الاتصال وتلقي المعلومة ونشرها حق دستوري وحق متعلق بحقوق الإنسان والدستور السوداني وبكفالة الحقوق والحريات داخل الدولة.
وترى د. زحل أن في حال تم تعطيل القانون بحالة إعلان الطوارئ فإن الالتزام بالاتفاقيات الدولية لا يتعطل، مؤكدة أن السودان موقع بالعهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية من العام 1986 المادة 19 المتعلقة بحرية الإعلام وتلقي المعلومة ونشرها.
وشددت د.زحل على أن الإنترنت وخدمات الاتصال حق مكفول، مستنكرة وجود مبرر لحكومة السودان يجعلها تعمل على تعطيل هذا الحق سيما أن الظروف التي تمر بها البلاد لا ترقى إلى تعطيل هذا الحق فالبلاد ليست في حالة حرب.

السلطه القضائية
يعد القضاء من السلطات المستقلة ذات قرارات وأحكام قضائية حيادية وغير خاضعة لنفوذ الأنظمة الحاكمة أو نفوذ المصالح الخاصة ومهمتها إحقاق الحق وإرساء العدل فالذين يشغلون مناصب عدلية أو قضائية لا بد أن يخضعوا لعملية اختيار دقيقة تتعلق بالقدرات والصفات الشخصية والمهنية ويرى القضاة أنهم يواصلون رسالتهم المقدسة بعيداً عن السياسة دون الانتماء لأي فصيل ولا يبتغون سوى هدف واحد هو تحقيق العدالة وإرساء دولة القانون وكذلك المؤسسة العدلية من جانبها تساعد القضاة بتحويل السلطات لديهم ليمارسوا مهنتهم بعيداً عن الضغوط هذا بالإضافة إلى تخصيص الرواتب والمكافآت تجنباً للعوز الذي ربما يلعب دوراً في تقبل الرشاوي والتأثير على الأحكام القضائية..
محكمة الخرطوم الجزئية أمرت أمس الأول شركة زين للاتصالات بإعادة خدمة الإنترنت بعد انقطاعها بأوامر من المجلس العسكري، عقب عملية فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو الحالي لأسباب عبر عنها المتحدث باسم المجلس العسكري الفريق شمس الدين الكباشي بقوله إن مواقع التواصل الاجتماعي تمثل تهديداً للأمن القومي ولن نسمح بإعادتها
وكان المحامي عبد العظيم الحسن قد رفع دعوى ضد قطع الإنترنت بشركة زين للاتصالات قبل 10 أيام من نطق حكم القاضية عواطف عبد اللطيف، هيئة الاتصالات، بإعادة خدمة الإنترنت فوراً كما يمكن للسلطات استئناف الحكم لدى المحكمة العليا.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.