حامد فضل الله

مخاطر وأزمات

شارك الخبر

جاءت خاتمة الكتاب الطويلة (29 صفحة) بعنوان ماذا بعد، نعرضها هنا بإيجازٍ شديد:
“نحن الآن على بُعد أميالٍ من الفكرة العظيمة لنظام سلام لعموم أوروبا، من فانكوفر إلى فلاديفوستوك، على أساس الديمقراطية وحُقُوق الإنسان واقتصاد السُّوق الليبرالي، المبينة بشكلٍ مُثيرٍ للإعجاب في ميثاق باريس لأوروبا الجديدة. إنّ التّسلُّح، والصِّراعات العَسكرية التّقليديّة والنوويّة والإقليميّة والمحليّة في كل قارة تقريباً، والاستبداد والشعبوية اليمينية بدلاً من الديمقراطية، والقومية بدلاً من التّعدُّدية، والعُزلة الاقتصادية بدلاً من التّجارة الحُرة، هي العَناصر الأكثر تحديداً في تَعايُش الشعوب. ويحدث هذا على خلفية التّهديدات المُشتركة التي لا يُمكن لقارةٍ ولا لبلدٍ أن يفلت منها: تغيُّر المناخ، تلوُّث المُحيطات، الإرهاب، الأوبئة، الحَرب الإلكترونية، تدفُّق اللاجئين، عسكرة الفضاء. هذه التّهديدات العالميّة تتطلّب تفهُّماً وتَعاوُناً إقليميّاً وعالميّاً. وكيف يُمكن التّعاون مَع رئيس أمريكي، لا يُمكن التّنبؤ بما يقوم به ولا يقوم بإجراء تقييمٍ نقدي لجميع المُنظّمات المُتعدِّدة الأطراف تقريباً، سواء كان الاتحاد الأوروبي أو مُنظّمة التجارة العالمية أو الأمم المتحدة، والمُعاهدات الدُّوليّة مثل اتفاقية التجارة الحُرة لأمريكا الشمالية (نافتا) واتّفاق المناخ العالمي والتحالُفات مثل حلف الناتو”.
“لن يكون الطريق الأمريكي إلى الانعزالية تحت شعار “أمريكا أولاً” أو “اجعل أمريكا عظيمةً مَرّةً أُخرى” تجربة جديدة لأوروبا والعالم – وإن كَانت تَجربة يُمكن أن تَكُون مَريرَةً للغاية، كما أظهر ذلك الانسحاب الأمريكي من أوروبا بعد الحَرب العالمية الأولى. لقد أجبرت الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة إلى العودة كطَرفٍ مُحاربٍ وكانت الحصيلة المُساوية أكثر من 400000 جُندي أمريكي قتيل”.
ويُشير إلى استراتيجية حلف الناتو المحفوفة بالمخاطر:
إذا كانت ألمانيا، على وجه الخُصُوص، تَسعى باستمرار إلى عدم قَطع خَيط التّواصُل مَع مُوسكو واحتواء النقاط السّاخنة، فإنّ الانطباع بأنّ الحلف الأطلسي يفقد اهتمامه بالتّعاون الوثيق. إنّهم حَريصون عَلَى رَدع مُوسكو من خلال إعادة التّسلُّح والوحدة ولم يتم تَقديم أيِّ عروض يُمكن أن تؤدي إلى عودة موسكو إلى التّعاوُن. ويُوضِّح كيف تبدّدت فرص 1989 – 90 على نظام سلامٍ دولي مُستقرٍ، ولِمَاذا يَجب نَزع فَتيل المُواجهة الحالية بين الناتو وروسيا بسياسة انفراج جديدة.
جاء في فقرة بعنوان “دور روسيا في العالم”:
لم يَعتد الناتو على حقيقة أن روسيا لم تعد “الدولة الضعيفة” في التسعينات. مع الأسلحة النووية الهجومية الجديدة التي أعلن عنها بوتين، وأنظمة الدفاع الصاروخي الدفاعي وجيشها المحدث، تشعر روسيا بالأمان. وسعت روسيا بانتظام دورها كقوة عالمية مُستقلة تحت رئاسة الرئيس بوتين وسَتَواصِل بذل كل ما في وسعها لتأكيدها في العالم المُتَعدِّد الأقطاب في القرن الحادي والعشرين.
ويُشير إلى العلاقة الاستراتيجية بين روسيا والصين والهِند وكقطبٍ في عالمٍ يبدأ في إعادة ترتيب نفسه.
بدأت رُوسيا في عَهد بوتين، مثل الصين في توسيع نُفُوذها في أفريقيا. إنّه يرتبط بالشبكات السوفيتية السابقة. كان الاتحاد السوفيتي قد دعم عسكرياً العديد من الحَركات المُؤيِّدة للاستقلال في أفريقيا ونشر الآلاف من المُستشارين. حتى اليوم، ليست المصالح الاقتصادية هي المحور الرئيسي لمُوسكو. بدلاً من ذلك، يَتَعَلّق الأمر في الغالب بالتّعاون العَسكري وتَدريب القُوّات المَحليّة وتسليم الأسلحة. أحدث مثالٍ على ذلك هو الاتّفاق العسكري مع جمهورية أفريقيا الوسطى، على الرغم من أنّ قُوّاتها يجري تدريبها بالفعل من قِبل الاتحاد الأوروبي. يُوجد تعاونٌ عسكريٌّ مع الكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو وأوغندا وأنغولا. لدى روسيا مشاريع اقتصادية في السودان وزيمبابوي وغينيا.
كما كثّفت روسيا علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة، وخَاصّةً مع كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا والأرجنتين والبرازيل. وتطوير رابطة دولية من الاقتصاديات مثل البركس، الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وكَذلك التّعاون مع إيران وتركيا وتَمركُزها في الشرق الأوسط بسيطرتها على سوريا وقاعدة طرطوس.
من غير المُرَجّح أن تخضع روسيا لضغوط الغرب. فهذا لا يُبشِّر بالخير لاستراتيجية الناتو الحالية، يجب على أيِّ شخصٍ يعتبر نفسه قوياً ومُستقلاً، كما تفعل القيادة الروسية، أن يقبل بالتّسويات المُتسرِّعة والحُلُول غير المُواتية في النِّزاعات الحَاليّة.
لا تُوجد دَولةٌ أخرى لديها ظروفٌ جيِّدةٌ مثل جمهورية ألمانيا الاتحادية لتطوير العلاقات مع روسيا وتحسينها تدريجياً مَرّةً أُخرى. وكذلك يُمكِـن أن تكون ألمانيا وفرنسا وبُولندا معاً مُحرِّكاً رئيسياً لتطوير علاقات بنّاءة مع روسيا. وينبغي أن تكون الأحداث الرّهيبة من الحرب العَالميّة الثّانية، والتّجارب المَرِيرة خلال الحرب الباردة بما فيه الكفاية، كفُرصَةٍ لتطوير الحوار والتفاهُم والتّعاوُن. ولصالح أمن أوروبي للجميع. إنّ وفاة ما يقرب من 100 مليون حالة في الحربين العالميتين كافٍ لمنع زراعة الكراهية من جديد.
ينمو في روسيا جيلٌ جديدٌ منذ عام 1990. لم يشهد الاتحاد السوفيتي أو الشيوعية أو الحرب الباردة. إنه يُريد مُستقبلاً مُسالماً وآمناً – مثل كل الناس في أوروبا. يجب أن نَعمل معاً، وأن نُحافظ على الجُسُور التي بُنيت بالفعل، وبناء جُسُورٍ جديدةٍ. هُناك العَديد من الطُرق للتّعاوُن، مثل المشاريع المُشتركة في مجال العلم والثقافة، والتّعاوُن الاقتصادي والتخلُّص من النفايات النووية …إلخ.
“مَا أسهل تَحطيم الجُسُور، ومَا أصعب إعادة بنائها من جديد”.
إنّ الحَديث عن انعدام الثقة، ارتبط بالمَاضي، بين نظاميْن مُختلفيْن سياسياً وفكرياً. أما روسيا اليوم، فيسود فيها نظام رأسمالي نيوليبرالي بقيادة فلاديمير بوتين، يتطلّع للحُصُولِ على مناطق نفوذٍ سياسي واقتصادي، كبقية النظم الرأسمالية النيوليبرالية الكبيرة، ولهذا فسوف تعود الثقة آجلاً أم عاجلاً، مع بقاء المُنافسة فيما بينها. لذلك ستبقى كل من هذه الدول المُهيمنة تَعمل عَلى زِيادة سُلطتها ونُفُوذِها وتحقيق مَصالحها إلى أقصى حَدٍّ مُمكنٍ، وهي تَعرف بعضها البَعض الآخر تَمَاماً، وبذلك تَسعى إلى إيجَـاد مَـوازين قُوى تتفادى به تمزيق بعضها البعض الآخر، بينما هي تُشارك جميعها في استغلال الشعوب الأخرى. ولن يبقى سوى نضال شعوب الجنوب دفاعاً عن استقلال دولها ومصالحها، بأمل الحُصُول على مُساندة شعوب الشمال، من أجل الحُرية والمُساواة والعدالة والإنسانية وتفادي دمار البشرية.
ولا بُدّ هُنا من الإشارة إلى أنّ الحديث عن تنازُلات القيادة السوفيتية لتجاوُز الحرب الباردة، فقد تجاوز عمليّاً الذي كَانَ مُجبراً عليه، وليس هناك من مزيد لوقف المزيد من تَفَكُّك الإمبراطورية وإيقاف الانحدار إلى الهاوية.
يكتسب كتاب تيلتشيك أهمية خاصة، بسبب ما تواجه ألمانيا وأوروبا الآن من المخاطر والأزمات، بجانب الصحوة الجيوسياسية لروسيا، وهُناك أيضاً المخاطر الدُّوليّة مثل إعادة التّسلُّح النووي في آسيا، انهيار بعض الدول أو الإرهاب الدولي وحركات الهجرة غير المُنضبطة.
لقد استطاع تيلتشيك بحُكم قُربه من اتّخاذ القرارات كمُستشار للشؤون الخارجية أثناء حكومة المُستشار هيلموت كول، وكرئيس لمؤتمر الأمن في ميونخ لفترةٍ طويلةٍ، أن يُقدِّم للقاريء المُهتم مادة خصبة ومُهمّة بلغة شَفّافة ورؤية واضحة بعيداً عن الهرج السِّياسي. إنّ التذكير بالدُّروس الخَاصّة بالحرب الباردة والتّغلُّب عليها، هي ميزة قيّمة لكتاب تيلتشيك، الصغير في حجمه العميق وفي مضمونه.
لقد صدرت العديد من الكتب الألمانية، التي تتعرّض لمثل هذه المخاطر والأزمات، نذكر هنا منها اثنين، تمثيلاً لا حصراً:
* يورغن تودنهوفر، النفاق الكبير ـ كيف تغدر السياسة والاإعلام بقيمنا؟
**ستيفان ليزانش، الطُوفان يُحاصرنا ـ استغلال مُجتمع الآخر وثمنه.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.