الرواية الأولي مجدي عبد العزيز

الإمام بين صمته ونطقه

شارك الخبر

• من حكاوي أسرتنا الأمدرمانية، حكاية يعود تاريخها إلى الستينيات من القرن المنصرم حكاية تروي أن شقيقنا الأكبر الذي كان في حوالي الخامسة من عمره وجاء يوما من ملعبه بالشارع مهرولا ومذعورا إلى والدنا رحمه الله ليبلغه أن جموعا من الناس والأنصار يسيرون ويحتشدون باتجاه ناصية الحي (الملازمين) ويبلغه ببراءة الجهال أن سبب ذلك (قالوا سيدنا أبوبكر الصديق توفي). لم يحتج الوالد إلى وقت طويل حتي يصحح لابنه أن من انتقل اليوم إلى رحاب ربه مغفورا هو إمام الأنصار السيد الصديق عبد الرحمن المهدي، وإن سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه توفي في القرن الاول الهجري.. ولعل مخيلة الصغير حينها ربطت بين الطقوس الدينية للأنصار – الراتب وصيحات الله أكبر ولله الحمد – التي كانت تعتق سماوات البقعة، وبين ما سمع من قصص السيرة العطرة.. وصارت هذه الحكاية يُؤرَّخ لها في أسرتنا بـ (يوم وفاة الإمام الصديق).
• الإمام الصديق والد الإمام الصادق المهدي بخلاف بعده الروحي حفلت حياته السياسية بكثير من المحطات التي يمكن أن تسمى رصيدا تراكميا لأهل السياسة منها مثالا: مساهمته مع آخرين في تشكيل ما عرف بلجنة الزعفران التي قادت إضراب كلية غردون المطلبي الشهير في الثلاثينيات، وقيادته لوفد القوى الاستقلالية إلى الأمم المتحدة بنيويورك في 1947 الذي ضم من كبار ذلك الزمان الشنقيطي والمحجوب وعبد الله خليل.. غير أن تسجيل التاريخ له كأول رئيس لحزب الأمة في 1949 كانت هي أم المحطات في حياته السياسية لما فيها من تحمل مسؤوليات عظيمة وما ذخرت به من وقائع مهمة كالنضال في سبيل الاستقلال ومجهودات تأسيس الحياة السياسية، وظروف مجابهة نظام عبود وقيل إن الإمام الصديق تأثرت صحته كثيرا بفاجعة حوادث المولد التي استشهد فيها عدد من أنصاره ومؤيديه والتي انتقل عقبها بشهرين في أكتوبر1961، تقبله الله وأنزله منازل الصديقين.
• هذه السيرة المنشورة والبيئة المعلومة والتأثير الأساسي للإمام المؤسس السيد عبد الرحمن هي بل شك خلفية ومعين تشكيل شخصية الإمام الصادق المهدي الذي بلا شك أيضا كان له نهجه المتفرد ومكتسباته التي ميزته في عالم الأفكار والسياسة، ومن الطبيعي في هذا العالم أن تقع الاختلافات وإثارة الجدل وربما رأي البعض من أهل المواكبة أن السيد الصادق من أكثر الشخصيات الوطنية المحورية إثارة للجدل منذ أواسط الستينيات وحتى عهدنا هذا، محطات ومنعطفات وزوايا واعماق من لدن بدايات العهد الوطني وعهد عبود وأكتوبر والديمقراطية الثانية، ومايو المجابهة والمصالحة والعودة للمجابهة، والديمقراطية الثالثة، والإنقاذ بكل محطات التعامل معها الخشنة والناعمة وهلمجرا.. ولكن ما يشهد به للرجل ويحمد له تقبله العميق لقواعد الجدل هذه التي من ضمنها الانتقاد لحد الاتهام والاختلاف لحد المجابهة، وفي ذلك أسس لكثير من القيم – عدم فش الغبينة – وشرط العدالة في التخطيء والتصويب – ودوما الرجل مترفع عن الصغائر وغافر لما يمس شخصه الكريم.
• كذلك تلمست ووجدتني أتفق مع كثيرين من أهل السياسة والتحليل والإعلام أنه لا توجد في المشهد السياسي الحالي شخصية سياسية تضاهي خبرة ودراية ومعلومات وعلاقات الإمام الصادق المهدي، الأمر الذي يجعل بنان الواثقين من الإشارة إليه كأحد أهم مفاتيح الحل للواقع السياسي المأزوم حاليا.
• بلا شك أن الحكمة وليدة الخبرة.. والذين بلا خبرة دوما تتسم مواقفهم وقطعياتهم بعدم الحكمة.. تجلت حكمة الإمام في الآونة الأخيرة في أشياء لم يستطع معها آخرون صبرا من لدن رؤيته ما قبل الحادي عشر من أبريل في تكتيكات مسايرة التغيير، مرورا بموقفه من عدم مواجهة العسكريين واعتباره أن كل المكونات العسكرية المكون منها المجلس العسكري هي مكتسب ورصيد وطني (برؤية ثاقبة وبعيدة المدى)، كذلك انتقاده للقطعيات التي تشابه القفز في الظلام مثل الإضرابات في غير موضعها والدعوة للعصيان الشامل المفتوح بلا فعل يسبب لها.. وأخيرا الابتدار الوطني للحلول.
• بالطبع معطيات الواقع والوقوف على الآراء ومراقبة المواقف وواقع اللعب على المكشوف غير المتوافر في أوقات سابقة كلها موانع من الانفراد أو الاستبداد أو التجاوز، هذا لأهل البصائر مع قناعتي التامة بأن نوايا الإمام الصادق تتجافى عن هذه الموبقات بحكم ما سردنا من مكتسبات حكمته ومؤسسات خبرته، لذا بكل تجرد ودون تزلف وغير خوف ولا رجاء معروف، ومع احتفاظي بما أرى في بعض مناحي الأمور، أقول: أفسحوا لحكماء الوطن وعلى رأسهم الإمام الصادق المهدي، فمثل بلادي بأهليتها ومتوارثاتها وتاريخها ما لاحت بشائر نصرها في سنام أمورها إلا بأهل (الحل والعقد) فيها.. وإلى الملتقى.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.