الضباط الموقفون.. المصير ينتظر التحديد

الخرطوم: محمد عبد العزيز

ثمة تساؤل أساسي ظل يراوح مكانه عن مصير عشرات الضباط ممن جرى توقيفهم على ذمة محاولتين انقلابيتين جرى الكشف عنهما بواسطة المجلس العسكري الانتقالي في الثالث عشر من يونيو. وقال المجلس العسكري إنه تم إحباط مخططين للانقلاب عليه، تم على أثرها التحفظ على مجموعتين إحداهما توالي نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بينما تنتمي الثانية لقوى معارضة. الأولى تتكون من خمسة أشخاص (إسلاميين) والأخرى تضم  18 (محسوبين على قوى الحرية والتغيير) بحسب تصريحات المجلس العسكري، وتم وضعهم قيد الإيقاف وإخضاعهم للتحقيق، وفيما لم تظهر تصريحات رسمية عن مصير التحقيقات إلا أن تسريبات أشارت إلى الإفراج عن عدد منهم.

إعلان رسمي
وقال المتحدث باسم المجلس شمس الدين الكباشي في مؤتمر صحفي، إن المناخ السياسي وحالة “الوهن الأمني” التي تعيشها البلاد حفزت كثيرا من السياسيين والعسكريين لتنفيذ مخطط انقلابي على المجلس العسكري، كاشفا عن أن بعض مخططي الانقلاب ينتمون لقوى “الحرية والتغيير” التي تفاوض المجلس، وتابع: “خلال الفترة الماضية جرى التخطيط لأكثر من انقلاب تم إبطاله.. لا يوجد انقلاب إلا وخلفه جهة سياسية”.
في ذات السياق، أكد عضو المجلس الفريق ياسر العطا، أن إحدى المجموعتين الموقوفة توالي نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وتابع: “الأخرى تابعة للنظام القادم.. لا أدري لما تعجلوا الانقلاب بعد أن تم منحهم السلطة” -في إشارة الى اتفاقهم مع قوى المعارضة على حيازة غالب مقاعد الحكومة الانتقالية التنفيذية والتشريعية.

ماذا قال رئيس هيئة الأركان؟
بدوره قال رئيس أركان القوات المسلحة هاشم عبد المطلب أحمد بابكر، في بيان صحفي، إنه تم إحباط مخطط للانقلاب على المجلس والتحفظ على قادته. وأضاف: “التحرك لم يصل مرحلة المحاولة الانقلابية، وتم إحباطه في مهده”، وتابع: “هناك إجراءات قانونية وفق النظم واللوائح العسكرية والتحقيقات جارية حوله”.
وأكد أنه “في ظل التعقيدات الداخلية في المشهد السياسي وانعكاساته الإقليمية والدولية، تجعل حدوث مثل هذه المحاولات أمرا متوقعا نتحسب له، ولا يعدو كونه مغامرات معزولة”.
وقال رئيس الأركان إن “عهد الانقلابات العسكرية ولى، وما حدث مؤخرا حول ذلك هو تحرك لم يرتقِ أو يصل إلى كونه محاولة انقلابية، والمجموعة التي تم التحفظ عليها محدودة جدا وليس كما ورد في الإعلام”. وتابع: “هناك حالة استقطاب حادة تحاول أن تتجاذب هذه المؤسسة لتوظيفها في خدمة أجندة معينة، ولن تستطيع، وكذلك تعرضت القوات المسلحة لحرب إعلامية موجهة حاولت أن تفت من عضدها، وكذلك لم تحقق أهدافها”.
تصريحات رئاسة الأركان وتعاملها مع القضية أراح القوات المسلحة من الأزمة باعتبارها بعيدة عن الاستقطاب السياسي وأنها متمامسكة وتقود التغيير بانحيازها للثورة وقدمت هيئة القيادة السابقة للمجلس العسكري تعضيدا للثورة وتولت قيادة جديدة رئاسة الأركان المشتركة وتنفذ في خطط تطوير وتأهيل القوات المسلحة من النواحي التدريبية والاجتماعية والتسليح والعلاقات الإقليمية والدولية، لتدلل على أنها مؤتمنة على الأمن الوطني السوداني وحماية الحدود وتحاول القيادة العسكرية أن تنأى بها عن الاستقطاب السياسي الذي كان على مدى التاريخ السبب في دخول القوات المسلحة للعمل السياسي.
وكانت قناة العربية السعودية أول من تحدث عن محاولة انقلابية وتنفيذ السلطات السودانية حملة اعتقالات واسعة وسط ضباط في الجيش، من الموالين لتنظيم الحركة الإسلامية بينهم متقاعدون، مشيرة إلى أن الحملة غير المسبوقة طالت 68 ضابطاً، غالبيتهم برتبة عقيد، نتيجة لمعارضتهم طريقة تعامل المجلس العسكري مع الأوضاع في السودان خصوصا بعد الفض العنيف للاعتصام السلمي في الثالث من مايو الماضي، فيما نفت مصادر عسكرية رسمية تحدثت لها حدوث محاولة انقلابية مؤكدة توقيف ضباط في إطار إجراءات أمنية احترازية.

دوافع التحرك
لم يشأ المجلس العسكري كشف الكثير عن المحاولة الانقلابية. مراقبون يرون أن المحاولة الانقلابية تهدف لقطع الطريق أمام التوصل لاتفاق حول تشكيل الحكومة المدنية ونقل البلاد لمحطة الاستقرار السياسي والاقتصادي، فيما يرون آخرون أن التسريبات يمكن أن تأتي في سياق محاولة الإلهاء لشغل الرأي العام بعد مجزرة القيادة.
الخبير الأمني والاستراتيجي الفريق حنفي عبد الله يقول في حديثه لـ(السوداني)، إن الشارع لا يشهد مؤشرات على وجود انقلاب عسكري، إلا أن حركة الاعتقالات قد تأتي لدوافع احترازية معتادة في أروقة القوات النظامية.
وتتعزز هذه الفرضية خاصة بعد إحالة عشرات الضباط في الشرطة وجهاز الأمن ممن يصنفون من الموالين للنظام السابق للتقاعد، فضلا عن عدم تصفية المؤسسات الأمنية والعسكرية للنظام السابق، فيما تحفز حالة الفراغ والاحتقان بعد تعثر تشكيل حكومة انتقالية في تشجيع الانقلابيين وانقسام العسكريين في التعامل مع المدنيين وتسليمهم السلطة من جهة وبين من يرى أن الاعتصام تم فضه بطريقة غير لائقة.
الخبير العسكري العميد الصوارمي خالد سعد، يقول في تصريحات صحفية، إن حديث المجلس العسكري عن وجود انقلابات داخل الجيش قام بإحباطها يعطي مؤشرا سلبيا عن وضع الجيش السوداني في نظر المواطنين، سواء كان هذا الأمر حقيقة أم ادعاء.
ويشير الصوارمي إلى أنه لا يرجح فرضية وجود انقسام داخل الجيش، وإنما من الممكن أن تكون هناك عناصر فردية غير راضية عن بعض السياسات، بدليل أن تلك العناصر لم تستطع أن تستميل كتيبة واحدة لذا لا نستطيع أن نقول إن الجيش السوداني جيش منقسم.
ويزيد الصوارمي أنه “لا وجود لتنظيم الإخوان داخل الجيش، وإنما هي مجرد اتهامات بلا دليل”، مضيفا أنه قد يكون هناك انتماء فكري لبعض الأفراد دون أن تكون لديهم القدرة على الاستقلال بكتيبة واحدة أو فرقة واحدة.
في مقابل ذلك، ثمة تحليلات تمضي إلى أن عدم صدور نتائج التحقيق حول المحاولات الانقلابية يرجح فرضية أن تكون التسريبات تأتي في سياق محاولة تعزيز دور المجلس العسكري بفاعلية أكبر في السلطة الانتقالية المدنية المقبلة من خلال التلويح بورقة الاختلال الأمني وأهمية مشاركة القوات النظامية في تأمين الانتقال وإنفاذ مطالب الثورة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.