الدكتور/ محمد علي عبد الجابر

شاعرنا الراحل مصطفى سند

شارك الخبر

مَع كثافة وغزارة وانتشار إنتاجه الأدبي الذي عَمّ القُرى والحَضر، وسَارت به الركبان لتعمِّر مساحات (البور) والجدب في حياتنا، وعذوبة شعره الذي هدهد وجدان الأمة الناطقة بالعربية في كل البقاع، والذي أكّد من خلاله نُبُوغه المُبكِّر ومَوهبته المُوغلة في أوجاع البلد وإنسانه وحكاياته العَصِيّة على التّعبير ومُحاطٌ بقُيُود العُرف البالية والتقاليد التي أَكَلَ عليها الدهر وشرب, وأكّد من خلاله أيضاً أنّ الإبداع الصادق والانفعال الحَقيقي تَرفعه بِذرة الصِّدق وأمَانة الكلمة وتتجاوز به الحُدُود والحواجز والمَتَاريس، ويُعبِّر عن نفسه كلمسةٍ إنسانيةٍ عميقة المعنى والفكرة في كل زمان ومكان, كنبضٍ إنساني يُشكِّل حُضُوراً أنيقاً ولا يُمكن تَجاوُزه في مَحافل الخير والأمل الأخضر, يَنُوب عن المَفجُوعين والعَاشقين والغلابة في التعبير عن خلجات نفوسهم ومشاعرهم المَحمولة عَلى خَاطرٍ مجروحٍ بالمسغبة والفقر والحاجة التي تخنق كل إحساسٍ جميلٍ وابتسامة على أعتاب الصرخة والميلاد.
وفوق ذلك كان تكريمه عَلَى رُؤوس الأشهاد في منابر ومَقامات كُبرى (وَتَدّلَت) النُّجومية المُطلقة تُجرجر أذيالها حَتّى اِستقرّت بين أحضانه وفي مقامه الطيِّب، وأجبرت جَزَالة الكِلمة وشحنة العَاطفة والوجدان في الكلمة المُموسَقة وقُوة فكرة القَصيدة الأيدي المَمدودة وأدمتها بالتّصفيق الحَار وإيماءات الإعجاب التي فَاقَت المَدَى والمُتاح، وزيّنت ميداليات الذهب وشهادات العرفان والتقدير في مُدنٍ تَعشق الكلمة الأنيقة كبيروت وغيرها, زيّنت صَدره الشّفيف الخَالِي مِن كُلِّ حقدٍ وضغينةٍ ولا يعرف غير الحُب والأنس الجميل.
رَغم كُل هذا الذي سردناه في حق شاعرنا الراحل الكبير مصطفى سند – ولا أعتقد أنّني أوفيته حَقّه المُستحق في إعمار دواخلنا بالحُب والأمل المنشود في الغَد المَحمول على كَف الغَيب, رغم كل ذلك ظَلّ في نفس شاعرنا الراحل مصطفى سند – شيءٌ من حَتّى لا يُفارقه الهاجس الذي يُصيب مُعظم المُبدعين ويُؤرِّق مَضاجعهم, ذات القلق الذي يُشاركهم نومهم ويقظتهم, هذا الهاجس المَصلوب بين المُبدع والمُتلقي, هذا الهاجس الذي يَستبطن أسئلة حَيرى, هل إبداعه قادرٌ على تجسير الهوة للمُتلقي, هل تُعانق كلماته العذارى, هل يمس إبداعه شِغَاف القلوب ويحدث فيه أثراً وصدىً ويقود تغييراً مُمتعاً وَيَشذب السُّلوك ويُرقِّق الذَّوق العَام ويَسمو به في طَيّات السّحاب ويَجعله أكثر يقظةً واستعداداً للعطاء بدون مُقابلٍ في ميادين الوطن والحق العام، يُدافع عن اليتامى والفقراء الذين جعلت الظروف أياديهم مغلولة ومُكَبّلة دُون حقوقهم واستحقاقاتهم.
هذا الإحساس المُترع بالنُّبل والصِّدق والتّوسُّل أن تعبر الكلمات بدون وَجَلٍ وخَوْفٍ إلى الشاطيء الآخر المُقابل الذي لا تَكتمل دائرة الحُب إلا به وفي حُضُوره المُفَعّم بالانتظار والعشم, وظل الهاجس المُؤرِّق في نفس مصطفى سند وثُلة من المُبدعين, إلا أنّ سند كان جريئاً في نبش الفِكرة ومُوفّقاً وشَفيفاً في طَرحه, عَبّرَ عن ذاته وعَن المُبدعين الذين لامَسَ السؤال شِفَاهَهُم, وقال سند نيابة عنهم :
من يوصل النجوى حدود الحِس يفتحُ كوة النفس المُريح

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.