إليكم.. الطاهر ساتي

أبجديات ..!!

شارك الخبر

:: فمع التواضع، ما يُحمد لوزير الصحة الاتحادية أكرم علي التوم، نشاطه وتجواله ووجوده السريع في مواقع الأحداث ذات الصلة بوزاراته، حتى ولو كانت المواقع بالولايات البعيدة عن الخرطوم، ويكاد يكون أقرب المسؤولين في حكومة حمدوك للناس وقضاياهم.. ولكن كل هذا لا يكفي أكرم – وأي مسؤول آخر – لينجح وينهض بالقطاع الصحي المتردي للغاية.. نعم، فالعواطف – بلا مؤسسية – لا تبني المؤسسات، ولا المشاعر – بلا مهنية – تُصلح الخراب..!!
:: لقد أصدر أكرم قراراً إيجابياً بإلغاء أيلولة سبعة عشر مستشفى إلى ولاية الخرطوم، ومنها مشافي الخرطوم وأمدرمان وبحري، بحيث آلت كل هذه المشافي – كما كانت قبل قرار الآيلولة – لسلطة وزارة الصحة الاتحادية.. فالقرار الصائب، ومن المطالب القديمة.. ولكن مع قرار إلغاء الآيلولة، أصدر أكرم قراراً آخر بإجراء انتخابات يتنافس عليها الأطباء وأساتذة الجامعات لاختيار مدير عام لمستشفى الخرطوم التعليمي – يوم 28 نوفمبر الجاري – عبر الانتخاب الحر المباشر.. وهذا القرار خطأ.
:: المواكبة هي التي تنهض بالشعوب، وليس التقوقع في سجون العادات والتقاليد.. والتغيير – بمعناه الشامل – ليس هو أن إسقاط حكومة وتشكيل أخرى بذات المفاهيم المغضوب عليها، ولكن التغيير هو تغيير تلك المفاهيم، وذلك بإلغاء بعضها وتطوير البعض الآخر.. وأن يأتي أكرم بالأطباء في إدارة المشافي ما هو إلا إعادة انتاج لإحدى أزمات القطاع الصحي، وهي أزمة الإدارة.. إدارة المشافي صارت علماً يُدرس بالكليات والمعاهد العليا.. ويتخرج خريجها – بعد سنوات التعليم النظري والعملي – مُتخصصاً في إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع الفريق الطبي العامل بذات المرفق.
:: ولكن هنا في – رغم أنف شعار التغيير – ليس بمدهش أن نصرف على الطبيب ليتخصص في أمراض القلب أو الجراحة حتى يصبح (نطاساً بارعاً)، ثم – فجأة – نحوله إلى (إداري فاشل).. بالانتخاب أو بالتعيين، يجب إدارة المشافي بواسطة الذين درسوا علوم الإدارة وتخصصوا فيها، وليس بواسطة الذين درسوا علوم الطب وتخصصوا في علاج الأمراض.. فالطبيب السوداني بخير حين يتفرغ لمهنته (الطب)، ولكن تحت وطأة مفاهيم قديمة ومتخلفة تم تحويل هذا الخير إلى كوارث، وذلك بتحويل عمل هذا الطبيب البارع من ( الطب) إلى ( الإدارة).
:: كان على الوزير أكرم أن يكون شُجاعاً وعميقاً في التغيير، بحيث يفصل الطب عن الإدارة في كل المرافق الصحية.. ولكن يبدو أن لا يعرف جوهر التغيير، أو يخشى الغضب حين يبعد الأطباء عن المواقع الإدارية بالمرافق الصحية.. نعم، سوف يغضبون عليه وربما يثورون ضده، فالكثير من جيل حنتوب وخور طقت لا يزال قابعاً في بئر مزاعم مفادها أن الأطباء هم أفضل خلق الله، وأكثرهم علماَ ومعرفة بكل الأشياء، بما فيها الإدارة.. مفتاح نهضة الدول والشعوب هو المؤسسية التي تقدس التخصص، ومن المؤسف أن يجهل أو يتجاهل الوزير أكرم القادم من رحم المنظات الدولية أبجديات النهضة .

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.