(بقلم دكتور عبدالله إدريس عبدالله )

أخيراً.. السودان يرتاد الثريا

شارك الخبر

يذكر التاريخ أن العام 1957م شهد إطلاق أول قمر صناعي عرفته البشرية من قبل الاتحاد السوفياتي عام 1957م، وكان اسم ذلك القمر (سبوتنيك 1). ومن ثم تسابقت الدول في إرسال اقمارها حتى بلغ عددها في يومنا هذا أكثر من 13 ألف قمر صناعي يدور حول الأرض.
لكن المستخدم منها فعلياً الآن حوالى 3500 قمر فقط، وذلك إما بسبب انتهاء عمرها الافتراضي او بسبب عطل فني ألم بها، او أنها انحرفت وخرجت عن مسارها المصمم لها. مع ملاحظة أن الدول التي نالت عضوية نادي الأقمار الصناعية وصلت الى 80 دولة، في حين انه كان يقتصر إطلاقها او امتلاكها حتى العام 1966 على ست دول كبرى فقط، مما يعكس مدى التطور الذي حدث لبقية الدول الأخرى، بجانب انخفاض تكلفة اقتناء تلك الأقمار والتقنية المرتبطة بها، والسبب الأهم من تلك أسباب الثلاثة السابق ذكرها هو أهمية الدور الذي أصبحت تلعبه تلك الأقمار في عالم اليوم.
لكن دون شك فإن الدول الكبرى لها نصيب الأسد من جملة الأقمار التي تدور حول الأرض، حيث أن هناك 976 قمرًا يعود إلى خمس دول كبرى في العالم، حيث تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية 568 قمرًا، والصين تمتلك 177 قمرًا، وروسيا تمتلك 133 قمرًا، واليابان تمتلك 56 قمرًا، وأخيرًا المملكة المتحدة تمتلك 42 قمرًا.
أما الدول العربية والأفريقية فنجدها لم تتخلف كثيراً في نيل عضوية الدول التي تمتلك الأقمار الصناعية؛ لكن مع فارق كبير من حيث الكم والكيف لتلك الأقمار مقارنة بدول العالم الأول. ففي مقدمة ركب الدول العربية والأفريقية نجد المملكة السعودية في الصدارة ودون منازع وببون شاسع؛ حيث تتملك 16 قمراً، حيث كان إطلاق أول قمر لها في العام 1985م. ثم بعد ذلك تأتي دولة الإمارات العربية التي تمتلك 10 أقمار، أما جنوب أفريقيا ونيجيريا ومصر بجانب الجزائر فتمتلك كل دولة منها 6 أقمار، أما المغرب فقمران، وأخيراً قطر وكينيا وغانا وليبيا ورواندا وانغولا بجانب إثيوبيا إذ تمتلك كل دولة منها قمرا صناعياً واحدا.
استخدامات ومهام الأقمار الصناعية والأقمار الصناعية يتم تصنيفها على حسب استخدامها فمنها ما يطلق عليه الأقمار الصناعية الحيوية، وهذا النوع من الأقمار الغرض منها معرفة مدى التغييرات والتأثيرات التي تحدث لحيوانات او بعض أنواع الأطعمة في الفضاء؛ ومن ثم قياس الأمر على الإنسان.
أما النوع الثاني فيطلق عليه أقمار الطقس، والغرض منها جمع المعلومات المتعلقة بالغلاف الجوي، للتنبؤ بحالة الطقس، ومؤخرًا ظهر العديد من مواقع الطقس العالمية التي تصدر النماذج العددية والخرائط الجوية الدقيقة، للتنبؤ بحالة الطقس ولفترات زمنية تصل لأسابيع.
أما النوع الثالث فهو الأقمار العسكرية، وهي الأقمار التي لديها استخدامات عسكرية متعددة ومعقدة، إلا أنها عامةً
تساعد في مراقبة تحركات العدو، وإطلاق الإنذارات المبكرة قبل الهجوم الصاروخي.
والنوع الرابع هو أقمار الاتصالات، وهي الأقمار التي تستخدم في البث التلفزيوني، والإذاعي، والانترنت ومعظم تطبيقات الاتصال، إذ يستخدمها القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء.
أما النوع الخامس فهو أقمار رصد الأرض، ومهمتها جمع البيانات الخاصة بالموارد المائية والأغطية النباتية، ويسهم هذا النوع من الاقمار في الكشف عن المعادن، وغيرها من المهمات التي تختص بقطاعات البيئة بمختلف أشكالها.
واخيراً النوع السادس من الأقمار وهو النوع الخاصة بالاستخدامات الملاحية، وهي الأقمار التي ترشد قيادة السفن في اإحارها وترصد تحركاتهم، وتحدد لهم خطوط الطول والعرض المتعلقة بمساراتهم.
القمر الصناعي السوداني (سوسات1)

سيذكر التاريخ أنه في يوم الأحد الرابع من شهر نوفمبر لسنة 2019م انضم السودان الى عضوية الدول التي تمتلك أقماراً صناعية، حيث سرى هذا الخبر سريان النار في الهشيم في وسائل التواصل الاجتماعي داخل وخارج السودان بين مكذب ومصدق للخبر، في حين انه لم يتم إعلان الخبر بصورة رسمية إلا بعد يومين من وصول القمر الى مداره وبصورة مقتضبة عبر بيان من الناطق الرسمي باسم مجلس السيادة محمد الفكي سليمان ذكر فيه أنه تم إطلاق القمر الصناعي السوداني (سوسات1).
لكن الثابت أن عملية الإطلاق هذه وما سبقها من خطوات أو ما سيتبعها خطوات لم تأت صدفة أو ضربة لازب فقد تم في العام 2013م إنشاء معهد لأبحاث الفضاء، في إطار خطة شاملة لتطوير قدرات البلاد في ذلك المجال.
أما مشروع القمر الصناعي السوداني فقد بدأ تحديداً في العام 2017م واكتمل في كافة مراحله من حيث التصميم والتصنيع والاختبارات بشراكة سودانية صينية وتم إطلاقه في 2019م وتم الإنجاز تحت إشراف اللجنة الوطنية السودانية للفضاء، التي تضم في عضويتها كافة الجهات ذات الصلة.
وقد تمت عملية الإطلاق من محطة إطلاق الأقمار الصناعية (تانوان ساتلايت سنتر) بشمال الصين. ويحمل القمر الصناعي اسم (سوسات1) SuSat1”هو اختصار لكلمة “Sudanese Satellite1”، حيث يبلغ الوزن الكلي للقمر 16 كيلوجراما، وتبلغ دقة صورته 5أمتار @ 500 كيلومتر، وهو يدور في مدار ارتفاعه عن الأرض 530 كيلومترا. ويصنف ضمن أقمار الاستشعار عن بعد، ويخدم القطاعين العسكري والمدني، والعمر الافتراضي له هو عامان فقط، وهذا يشير الى انه مجرد مشروع تجريبي “Pilot Projects”، الغرض منه الحصول على المعرفة والخبرة اللازمة في إدارته والاستفادة من تطبيقاته في برنامج طموح تأتي من بعده تهدف إلى تطوير البحث في مجال الفضاء وامتلاك قاعدة بيانات واكتساب المعارف والعلوم الخاصة بالفضاء إضافة لاكتشاف الموارد الطبيعية، وكذلك للأغراض العسكرية ، في عالم اليوم الذي أصبح يعتمد على المصادر المفتوحة “open sources” في الحصول على المعلومة الدقيقة واتخاذ القرار المناسب على ضوء تلك المعلومة بعد تحليلها.
وهنا ملاحظة جديرة بأن تذكر في هذا المقام وهي أنه يجب أن يتم التفريق بين تكنلوجيا الأقمار الصناعية وبين استخدماتها، فالأولى تقتصر على عدد قليل من الدول التي تحتكر تلك التكنلوجيا بجانب إطلاق الأقمار الى الفضاء، اما استخدامات تطبيقات الاقمار الصناعية فهي متاحة لكل من يريد؛ بل هناك العديد من الدول تعمل على إيجار أقمارها لكل من يريد سواء أكانت دولا أم لشركات او حتى أفراد.
لذلك فإن منظومة الصناعات الدفاعية تولت إنشاء وتأسيس المحطة الأرضية المنوط بها إدارة ذلك القمر بمنطقة تقع شمال الخرطوم ومن المخطط أن تتم الإدارة والسيطرة عليه بصورة كاملة بعد شهرين من تاريخ وصوله الى مداره بكوادر سودانية خالصة. ومن الإشارات المبشرة أن الصور الأولية التي التقطها سوسا1 أكدت أنه يعمل بصورة جيدة، مما يشير الى أن عملية التسليم والتسلم بين الطرفين لن تتعدى الأجل المضروب وهو شهران كما ذكرنا.
ومن المخطط أن يوفر هذا القمر الكثير من العملومات التي تحتاج لها البلاد سواء في التنمية وتطوير الاقتصادي السوداني حيث أن هذا القمر يستطيع أن يوفر صورة للقطاع الزراعي تحديد حجم المنتج الزراعي ومقارنته بما كان مخططا من مساحات، بجانب توفر خرائط لأعمال الري من حيث تحديد مسارات الترع وقنوات الري سواء للمشاريع الزراعية او حتى كمية المياه الجوفية في باطن الأرض استناداً الى الخرائط الدقيقة التي سوف يوفرها.
كما يمكن أن يوفر خرائط لأعمال التعدين بما يوفر من صورة تستطيع الدولة واعتماداً عليها بتحديد اماكن المعادن النفيسة وما هي الكميات المتوقعة عند القيام بأعمال التعدين وماهو العائد المتوقع وبالتالي تتخذ قرارها عن دراية ومعرفة.
النموذج الباكستاني
في عالم اليوم وكما سبق أن ذكرنا أنه أصبح الاعتماد على المصادر المفتوحة في الحصول على المعلومة الدقيقة والسريعة والرخيصة والأمانة وصعوبة التأثير عليها بالتشويش او تدميرها، وكل هذه الشروط تتوافر في الأقمار الصناعية. لذلك – ودون شك – توجهت معظم الدول وحتى الشركات إلى الاعتماد على الأقمار الصناعية في الحصول على الكثير من المعلومة عن طريقها. فاذا كانت دولة مثل مصر كما قال د. حسين الشافعي مستشار وكالة الفضاء الروسية في مصر إنه يوجد فوق سمائها 124 قمرًا صناعيًا يراقب مصر ضمن برامج الاستخبارات الأجنبية، وأن مصر في المقابل تحتاج الى 20 قمرا صناعيا لحماية حدودها . فما بالنا نحن في السودان ودول جوارنا ضعف دول الجوار المصري؟ كما أن حدودنا تعادل ثلاثة أضعاف الحدود المصرية؟

ليس هذا فحسب بل إن اقليم دارفور وحده كما تذكر بعض الجهات أن فوق سمائه يوجد اكثر من 25 قمرا للتجسس، وعلى ذلك قس بقية ولايات السودان الاخرى . لذا فإننا نقول إنه لزاماً على كل من يصل الى سدة الحكم في السودان أن يبدأ من حيث انتهى من كان قبله في هذا المشروع الاستراتيجي، ودوننا التجربة الباكستانية فكل من وصل الى سدة الحكم سار على درب الرئيس ضياء الحق حتى رأى النور مشروع القنبلة النووية الباكستانية لأن الجميع كان على يقين بأنه مشروع دولة يعمل كل من فيها بحسب مقدراته دون كلل الى أن يأتي من يخلفه؛ وليس مشروع حكومة يذهب الى الجحيم بمجرد ذهاب الحكومة.
مع الفارق.. فنحن في السودان لا ندعو لامتلاك قنبلة نووية ولكن ندعو من بيده امر البلاد والعباد سواء في الحاضر او من سيخلفهم في المستقبل القريب أو البعيد أن يحافظوا على هذا المشروع، بل تطويره من أجل ضمان سلامة هذا الوطن الحبيب الغالي، ومن اجل اكتشاف ثرواته الطبيعية وموارده وتوزيعها بعدالة بين مواطنيه، وحتى لا يكون مثل كثير من المشروعات التي بدأت بصورة قوية وجادة وكانت سابقة في عصرها ثم سريعاً ما أصبحت أثراً بعد عين.
الإستراتيجية الإماراتية
وعندما ننظر الى الدول التي حولنا فإننا نجد انه لديها معهد لأبحاث الفضاء او مراكز لرصد الأقمار الصناعية او تصنيعها لكن لا تعلن عن تلك البرامج او المشاريع فحسب؛ بل تدعو لها في جميع وسائلها الإعلامية لزيارة تلك المقرات بكل شفافية (دون غتغتة او دسديس) فالجميع في عالم اليوم أصبح في غرفة واحدة وليس كما نقول الى وقت قريب إن العالم أصبح قرية ثم بيتا واحدا وفي القريب والقريب العاجل سوف يعلم كل من في العالم ما تحمله في جيبك دون الحاجة إلى استعمال الوسائل التقليدية في الوصول الى جيبك . لذا فعلينا أن نكون مستعدين لذلك اليوم من الآن ولنا في وكالة الامارات للفضاء أسوة حسنة من حيث المهنية والشفافية وإتاحة الفرص للجميع في المشاركة في بناء الوطن، بل إن دولة الامارات تعمل على توثيق ونشر جميع مراحل انتاج وتطوير أقمارها الصناعية وحتى مشاريع إرسال رواد الفضاء الإماراتيين، دون أن يخوّن من يقوم بنشر تلك المعلومات فهي متاحة للجميع بل مصدر فخر لهم كمواطنين وحكومة إماراتية .
فدولة الإمارات لديها استراتيجية جديرة بالدراسة فقد وضعها مختصون لتشمل جميع المراحل، وتبدأ من إعداد المناهج الدراسية في الجامعات لتخريج الكادر البشري المطلوب، وتوفير المختبرات ومراكز البحث العلمي
والصرف عليها واستجلاب الكوادر العلمية، بجانب المشاركة في المؤتمرات العلمية العالمية وانتهاءً بتوقيع الاتفاقيات مع الدول المتقدمة للاستفادة من خبراتها في هذا المجال .

كلمة شكر مستحقة
وأعتقد جازماً أن كل من شارك في مشروع القمر السوداني هذا حتى رأى النور وأصبح حقيقة يجب أن نفتخر ونحتفل به كما احتفلنا بالأمس القريب جميعا كسودانيين بتتويج ابنتنا هديل أنور بطلة تحدي القراءة العربية.
ودون شك فإن هؤلاء الجنود المجهولين (حتى الآن) بذلوا جهدا مقدراً وأمضوا الساعات والأيام والشهور والسنوات يواصلون العمل ليلا ونهارا حتى أصبح هذا الحلم حقيقة، وأصبح رصيداً للسودان كدولة في مقبل أيامه المشرقات بإذن الله .
لذا أجد نفسي ملزماً بأن أسجل وبالخط العريض (كما يقولون) شكري وتقديري واعتزازي بكل من ساهم في أن يجعل للسودان موطأ قدم بين الثريا.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.