إليكم …الطاهر ساتي

وجع الرحيل ..!!

شارك الخبر

:: ويرحل زين العابدين سريعاً، ومن غير وداع .. وفي الخاطر قصيدة لمحمد الحسن سالم حميد، يتساءل فيها أمام حدث رحيل مصطفى سيد أحمد :
مالك رحيلك دون وداع .. زي الحرد؟
ثم يشرح حالهم في ذات القصيدة : ::
ﺻﺎﺑﻨﺎ ﺍﻟﺬﻫﻮﻝ
ﺯﻱ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮ ﻗﺒﻞ ﺩﺍ ﻣﺎ ﻓﺎﺭﻗﻨﺎ ﺯﻭﻝ
ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ
ولا ﺍﻟﺘﻘﻮﻝ
ﺃﻭﻝ ﻗﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﻐﺸﺎﻫﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭ ..!!
:: وهذا حال البرغوثي أمام رحيل درويش :
وكأنه إذ مات أخلف ما وعد
وكأننا لمناه بعض الشيء يوم رحيله
وكأننا كنا اتفقنا أن يعيش إلى الأبد ..!!
:: ثلاث مقدمات شعرية، وهي محض محاولة لتغطية عجزي عن رثاء أخي الحبيب زين العابدين عباس الفحل، وقد رحل بهدوء، وسريعاً من غير وداع – زي الحرد – صباح الاثنين..رحل تاركاً أحباباً ما بين صُم وبُكم من هول الرحيل.. ولسان حال عجزهم عن احتمال الصدمة : ليتنا كنا شعراء كما أصحاب تلك المقدمات، لتُشاطرنا قلوب الناس أحزان وجع رحيل الزين عباس الفحل عبر مداخل القصائد.. وكما تعلمون فإن أصدق الكلمات هي الصادرة عن قلوب الحزانى ..!!
:: نعم، إن كان أعذب الشعر أكذبه، فإن أصدق الشعر هو شعر الرَّثاء.. والشعراء في نعمة وهم يُروضون أحزانهم، و يُترجمونها إلى أشعار تفتح أبواب المشاطرة للناس جميعاً، وعبر أبواب المراثي تدخل قلوب الناس إلى عوالم الشعراء الحزينة وتشاطرهم الأحزان، وهذا ما يخفف وطأة الأحزان على قلوب الشعراء..ولكن قدرنا أن تُمطر سحب الحُزن على رؤوسنا، لتفقد عقولنا بعض صوابها، ونسأل الله الصبر على رحيل زين العابدين ..!!
:: والحمد لله، ونسأله الصبر .. كان الأجمل فينا روحاً، والأنقى نفساً، والأصدق حباً للناس..لم يعش لنفسه أبداً، بل عاش للناس، ومستمتعاً بقضاء حوائجهم، ولذلك غادر الدنيا تاركاً فقط مآثرة الطيبة ثم ولداً صالحاً يدعو له بإذن الله..وُلد وتربى وتزوج وعاش في بيت والده بحي الشعبية، بالخرطوم بحري ..وعندما أصبح البيت آيلاً للانهيار، غادره إلى بيت الإيجار بحي شمبات، ومن بيت الإيجار غادر إلى رحاب الله ..!!
:: عندما صدر قرار تعيينه أميناً لمجلس الأدوية، كان الزين الفحل الساعد الأيمن لرجل الأعمال الراحل إيلي حداد، وكان أحد أهم صُناع القرار في ( إيلي قروب)، وكان الراتب بالدولار، ومزايا أخرى .. سألني – وآخرون – عما يفعل بين هذا وذاك؟، فنصحناه بأن ينحاز إلى مصالح الناس كما عرفناه، ولم يكن هناك تبرير لهذا النصح غير ثقتنا في نزاهته وصدقه وإخلاصه، وهي صفات نادرة في أجهزة الدولة..وكان الحبيب عند حسن ظن أحبابه .. ظل قوياً وأميناً في هذا الموقع إلى أن غادره – قبل الثورة بأشهر – رافضاً تدخل سلطات أخرى في عمله..!!
:: وفي الخاطر، مع قرار تعيينه أميناً عاماً لمجلس للأدوية، خصص له مجلس الوزراء منزلاً كما تنص اللوائح.. وكان المنزل يُستخدم مخزناً لأرشيف المجلس ( الورقي)، فسارع إلى تحويله أرشيفا إلكترونيا قبل صيانة المنزل .. وبعد الصيانة، سلمه لمجلس الوزراء، لينزعه منه ثم يخصصه لمدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون.. ولم يخطروه.. تفقد المنزل ذات يوم، وتفاجأ بأثاثات، ثم أخبره الخفير بصاحبها، فغادره قائلاً : ( قول ليهو جينا نبارك ليك البيت وما لقيناك)، ثم مضى لحال سبيله، ولا يُبالي ..!!
:: كان الزين عفيفاً، وكان باستطاعته أن يجني ذهب المعز و مال قارون، ولكن (ما كان زول دنيا)، وكان أغلى ما يملكه في دنياه ابنه أحمد وحب الناس، ثم وطناً أخلص في خدمته بقدر ما استطاع..ناشد ذات يوم صديقه إيلي حداد بتأهيل أحد مقار ذوي الاحتياجات الخاصة بالخرطوم بحري، فاستجاب إيلي لمناشدته وطلب زيارة الموقع.. ثم جاءه في منزله – بالشعبية – ليذهبا إلى موقع المستهدف بالتأهيل، وما إن دخل صالونه، قال إيلي ضاحكاً : ( الزين نحن المفروض نبدأ التأهيل بي بيتك دا)..!!
:: كان يجمعنا على فعل الخير، و كان يُعلمنا بأن الحياة من أجل الناس ( أحلى) .. رحل بهدوء ..كيف حالكم يا بعض أطفال السرطان؟، هل جاءكم نبأ رحيل والدكم الزين ؟.. كيف حالكم يا بعض طلاب وطالبات الجامعات؟، كيف تحملت قلوبكم وجع رحيل والدكم الزين ؟.. كيف حالكم يا بعض آبائي وأمهاتي وإخواني المتعففين بالشعبية ؟، من يطرق بابكم حاملاً الدواء أو ليخبركم بموعد زيارة الطبيب بعد رحيل الزين؟.. نسألك الصبر يا الله، ونسألك الرحمة والمغفرة لعبدك زين العابدين..!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.