تحليل سياسي … محمد لطيف

رئيسة القضاء .. فصل السلطات أم تفصيلها ؟!

(وإيماناً بوحدة التراب السوداني وبالسيادة الوطنية، والتزاماً بأهداف إعلان الحرية والتغيير المتوافق عليها بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وسعياً لإنفاذ تدابير العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة وإصلاح الاقتصاد الوطني وتحقيق دولة الرفاه والرعاية والعدالة الاجتماعية، وإصلاح أجهزة الدولة والخدمة العامة وتوطيد دعائم السلم الاجتماعي وتعميق قيم التسامح والمصالحة بين مكونات الشعب السوداني وإعادة بناء الثقة بين أهل السودان جميعاً.. وتأكيداً لعزمنا على وضع لبنات النظام المدني المعافى لحكم السودان مستقبلاً، واستناداً إلى شرعية الثورة، فقد توافقنا نحن المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير على أن تصدر الوثيقة الدستورية التالي نصها ) ..!
أعلاه مقتطف من الديباجة التي تصدرت الوثيقة الدستورية .. وهي الوثيقة التي تم بموجبها تأسيس كافة أجهزة الحكم الانتقالي .. كما تم بموجبها تعيين السادة رئيسة القضاء والنائب العام .. ورغم كل الجدل الذي ثار حين تعيين المذكورين .. وهو الجدل الذي بلغ حد تقديم طعن دستوري من البعض .. وحد الاتهام بالتزوير في الوثيقة الدستورية من البعض الآخر .. فإن المذكورين لم يعلقا على كل ما أثير فى ذلك الوقت.. ويحمد للنائب العام أنه ورغم تحفظه المبدئى على بعض الإجراءات .. إلا أنه تفرغ تماماً لمهامه الدستورية دون أن يتجاوز اختصاصاته أو يتخطى صلاحياته .. وقد كان المفترض والمأمول كذلك .. أن تلتزم السيدة رئيسة القضاء بذات منهج زميلها السيد النائب العام .. ولا شك أن كثيرين قد فوجئوا بذلك التسريب المنسوب للسيدة رئيسة القضاء .. والذي يبدو متعمداً من جهة ما .. وهو يناقش ما هو في خارج دائرة اختصاصها بكل المقاييس .. نقاشاً ينضح سياسة .. رغم ظاهره الذى يرفض التسييس !
الوثيقة الدستورية التي عينت بموجبها السيدة رئيسة القضاء في منصبها .. وبموجبها قد أدت اليمين الدستورية .. ولا شك أن سيادتها قد اطلعت على نص الوثيقة .. التى حملت فى ديباجتها أنها نتاج اتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي .. وبين قوى إعلان الحرية والتغيير .. ثم تناثرت داخل موادها الكثير من البنود التي تؤسس مهاماً عديدة لقوى إعلان الحرية والتغيير .. بما فيها ترشيح رئيس مجلس الوزراء .. وترشيح اعضاء المجلس السيادي من المكون المدني .. بل واختيار ثلثي أعضاء المجلس التشريعي ..ثم هي ذات الوثيقة التي منحت هذا المجلس التشريعي الانتقالي وحده .. دون غيره سلطة التشريع .. ثم اعتمدت النص التالي دون مواربة أو غموض .. حين نصت على ..( إلى حين تشكيل المجلس التشريعي، تؤول سلطات المجلس، لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء يمارسونها في اجتماع مشترك، وتتخذ قراراته بالتوافق أو بأغلبية ثلثي الأعضاء) .. !
إذن كيف لجهة منحتها الوثيقة الدستورية كل هذه الأدوار .. وخصصت لها كل هذه المقاعد .. توصف من تختارهم .. أو من يمثلونها في أي مستوى من المستويات بأنهم .. أناسٌ مجهولون .. كما جاء وصفهم في ذلك التسريب ..؟
غنى عن القول أن القضاء تحصنه القوانين واللوائح عند تناول أدائه .. أو التعليق على أعماله .. ولكن تلك الحصانة تقوم حين يكون القضاء فى دوره الطبيعى .. على منصة الفصل بين المتنازعين .. أما حين يخرج القضاء عن هذا الدور .. ويلبس ثوباً غير ثوبه .. ويتناول القوانين أو مشاريعها بالنقد بل وبالرفض .. بيد أن القضاء ليس من سلطته التشريع .. و ليس من مهامه مناقشة القوانين والتشريعات .. وكما لا يسمح القضاء بالتدخل فى أدائه وهو يطبق القوانين .. يصبح غير وارد أن يتدخل هو فى اختصاصات الآخرين ليكون في هذه الحالة قد خرج عن دوره و غادر منصات حصانته .. فيكون متاحاً للنقد كذلك ..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.