نحن في عرضك يا حميدتى.. بلاش..!

17 نوفمبر 1958.. 17 نوفمبر 1985.. ما العلاقة.. وما الفرق.. وما المناسبة..؟ التاريخان يتشابهان حد التطابق.. ولكن لكل تاريخ حدث؛ يختلف عن الآخر؛ وينأى عنه؛ بعد الخافقين.. ورغم ذلك يظل هناك حبل سري وثيق يربط الحدثين.. حتف أنف السودانيين.. أما بالنسبة للتاريخ الأول.. 17 نوفمبر 1958.. فلن تغادر الذاكرة السياسية السودانية.. تاريخ أول انقلاب عسكري في تاريخ السودان السياسي المعاصر، قاده قائد الجيش الفريق عبود ضد السلطة المدنية القائمة.. وقد راج كثيراً أن الأمر لم يكن انقلاباً، بقدرما كان تنازلاً طوعياً من رئيس الوزراء عبدالله بك خليل، ذو الخلفية العسكرية، لزميله قائد عام الجيش..!
أما التاريخ الثاني.. 17 نوفمبر 1985.. فهو للمفارقة يوم خصص في السودان لتعظيم قيمة الديمقراطية وتعزيز قيمها.. ولكن بحضور عسكري أيضاً.. فبمشاركة القوى السياسية السودانية قاطبة، كان نحو ثمانية عشر تنظيماً وحزباً في ذلك التاريخ.. وبحضور اللواء الركن إبراهيم يوسف الجعلي عضو المجلس العسكري الانتقالي الحاكم آنذاك.. وفي ميدان المدرسة الأهلية الشهير بأم درمان؛ تم التوقيع على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية..!!! وفي ذلك الميثاق تعهدت تلك القوى السياسية الموقعة بالذود عن النظام الديمقراطي.. فعبر بنود الميثاق السادس والسابع والثامن تعهدت تلك القوى الموقعة بـ (عدم الاعتراف بأي انقلاب عسكري.. وعدم التعامل معه.. وعدم الاعتراف بأية اتفاقيات أو معاهدات أو تعهدات يدخل فيها ذلك النظام الإنقلابي.. مع أي أطراف خارجية.. وأن أية جهة خارجية تتورط في مثل تلك الاتفاقيات.. عليها أن تتحمل مسؤوليتها في ذلك)..!
أما الحزب الوحيد الذي رفض التوقيع على ذلك الميثاق فقد كان هو تنظيم (الجبهة القومية الإسلامية)، وهي لم تكتفِ بعدم التوقيع فقط، بل قالت عبر صحفها ومنابرها المختلفة، إن الميثاق لا يساوي الحبر الذي كتب به.. وللأسف كانت الجبهة صادقة في ذلك التوصيف؛ بما فعلت بعد ذلك.. فيما لم تفعل الأحزاب الموقعة ما تعاهدت عليه..!
فما الذي حدث..؟ لقد وقع الانقلاب العسكري بالفعل في 30 يونيو 1989.. أي بعد أربعة أعوام إلا نيفاً من تاريخ توقيع القوى السياسية على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية.. فلم يحرك أحد ساكناً.. ولا أذكر أن أحداً قد تذكر ذلك الميثاق إلا شخص واحد.. أذكره جيداً.. كان السيد عبدالرحيم محمد أحمد؛ أحد رموز ومثقفي حي الصبابي العريق بالخرطوم بحري.. زارني بالمنزل صبيحة يوم الانقلاب؛ حيث كنت أجاوره رحمه الله.. وباغتني بسؤال: أين ميثاق الدفاع عن الديمقراطية..؟ وكنت قد نسيته بالفعل.. قال لي بالحرف: أكبر خطأ كان التوقيع على ذلك الميثاق.. استفسرته مندهشاً.. فأجابني: (السودانيين ديل لو مضوا على أي ورقة تاني ما بيرجعوا يشوفوا فيها شنو)..! وأضاف: (لو رجعت الديمقراطية تاني.. أهم شي يبعدوا الأحزاب من مسؤولية حمايتها.. ويخلوا كل مواطن بمعرفته يحمي الديمقراطية)..!
لا أدري لِمَ تذكرت كل كذلك؛ وأنا استمع لحديث الفريق أول محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس السيادي وقائد الدعم السريع، وهو يطالب عبر لقاء بفضائية سودانية 24 بالتوقيع على ميثاق للدفاع عن الديمقراطية.. فقد توجست خيفة من تلك الدعوة.. حتى أنني فكرت في الدعوة لمليونية يكون شعارها: (نحن في عرضك يا حميدتي.. بلاش ميثاق..!!)

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.