تحليل ساسي: محمد لطيف

المبادرة والخطاب.. النصوص والتوضيحات!

شارك الخبر

الاستعصاء الناشب حول خطاب رئيس الوزراء إلى الأمم المتحدة يناير المنصرم، يؤكد حقيقة واحدة ومؤسفة، ان أزمات السودان، ومنذ سنوات طويلة، تكاد تتطابق حذو كالنعل. تتنوع المواضيع، ويختلف الشخوص، وتتباين المواقف، ولكن يبقى المنهج، لتبقى الأزمة، ويتطاول أمدها دون حلول.. والمدهش أن لا أحد يستصحب تلك التجارب الفاشلة، ليتعظ منها، ويستنبط المعالجات الناجعة للقضايا الماثلة، فلا أحد يعتبر، رغم كثرة العبر..!
البعض ربما يتذكر، ذلك الحدث الذي وقع في أواخر عقد الثمانين من القرن الماضي، حين توصل الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني من جهة، والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل الدكتور جون قرنق من جهة أخرى، إلى ما عرفت باتفاقية السلام السودانية.. هكذا سماها موقعوها في نصها الرسمي.. ولكن، سريعاً جداً تحول اسمها إلى (اتفاقية الميرغني قرنق).. كان السودان في ذلك الوقت يُحكم بحكومة الوفاق الثانية، حيث رأس الرمح فيها حزب الأمة القومي.. أما الفاعل الرئيسي فيها فقد كانت الجبهة القومية الإسلامية.. وكان الاتحاديون قد غادروا مقاعد الحكومة ليقودوا المعارضة..!
كان المؤمل أن تذهب تلك الاتفاقية مباشرة إلى الجمعية التأسيسية لإجازتها، ليبدأ بعدها مباشرة تنفيذ بنودها، التي لم يكن فيها ذكر لتقرير المصير، ولا جدل حول العلمانية.. إذ كان الحديث حول القوانين البديلة لقوانين سبتمبر قد قطع شوطاً بعيداً.. حتى الجبهة الإسلامية نفسها كانت قد أعلنت على لسان نائب الأمين العام آنذاك علي عثمان محمد طه، أنها لا تمانع في إلغاء قوانين سبتمبر، إذا تواضع الجميع على قوانين تعبر عن هوية البلاد..!
ورغم كل ذلك المشهد المثالي لتأسيس توافق وطني؛ بين كل السودانيين، إلا أن رياح السودان يومها لم تجرِ؛ بما تشتهي السَفِن.. فبدأت المماطلات والتسويف.. ثم ظهرت التحفظات والملاحظات.. وليتها كانت شيئاً موضوعياً؛ مما يمكن أن يؤخذ به ويرد.. وتزامن كل ذلك مع حملة إعلامية شرسة، تحذر من الوقوع في فخ الاتفاقية، التي زعموا يومها أنها ستورد السودان موارد الهلاك، وأنها كافرة صادرة عن كفار.. وما أشبه الليلة بالبارحة.. ولَم يشفع للميرغني كل إرثه الديني.. والمفارقة أن الأمين العام قد وقع مذكرة تفاهم مع (الكافر) بعد ثلاثة عشر عاماً من ذلك التاريخ.. أما نائب الأمين العام فقد وقع مع ذات (الكافر) اتفاقية أسوأ من تلك التي ناهضوها.. ويكفي لسوئها أنها قد أفضت لفصل الجنوب.. أما اتفاقية السلام السودانية فقد انتهى أمرها بالإصرار على إلحاق توضيحات بالاتفاقية.. وبلغ التزيد أقصى مداه حين أصر الموضح أنه لا يكفي إضافة تلك التوضيحات في متن الاتفاقية.. بل أصر على أن تكون تلك التوضيحات في اسم الاتفاقية أيضاً.. فأصبح اسمها اتفاقية السلام السودانية بتوضيحاتها..! والمدهش أن أحداً اليوم لا يذكر تلك التوضيحات.. ولكن التاريخ حفظ جيداً اتفاقية السلام السودانية، التي تم قطع الطريق على تطبيقها.. فقد ثبت لاحقاً.. أن تلك الحملة المناهضة للاتفاقية، كانت جزءاً من خطة لجرف الأرض وتهيئتها للانقلاب.. وقد وقع..!
والآن.. فإن الحملة التي بدأت بمناهضة خطاب رئيس الوزراء إلى الأمم المتحدة طالباً تفويض بعثة سياسية لدعم مطلوبات الانتقال بالسودان، مرددة ذات الاتهامات التي وجهت لاتفاقية السلام.. تنتهي الآن بخطاب آخر.. هو في حقيقة الأمر.. أشبه بتوضيحات اتفاقية السلام، فلم يضف جديداً، غير التسويف، ولَم يقطع ظهراً غير المماطلة.. ولكن دعهم في غيهم، حتى ننقل لكم غداً كيف تفكر الأمم المتحدة تجاه خطاب يناير، والتوضيحات التي ألحقت به..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.