تحليل سياسي : محمد لطيف

عربة السلام .. خلف أحصنة الولاة !

منبر جوبا يحتشد بالمفارقات .. هذا ما قلته حين طُلب مني التعقيب في ندوة نظمتها مبادرة محبي السلام .. السبت الماضي بفندق كورنثيا .. حول مسارات السلام .. ففي الوقت الذي كان يُفترض أن تجلس فيه الحركات المسلحة في صف حكومة الثورة .. باعتبارها مكوناً أساسياً وفصيلاً رئيسياً في آليات التغيير .. اختارت تلك الفصائل أن تظل في موقفها القديم .. لتستمر في التفاوض مع حكومة الثورة .. فيما كان آخرون جزءاً من النظام الذي قامت ضده الثورة .. احتلوا مواقعهم ممثلين لحكومة الثورة .. أما المفارقة الكبرى .. فهى أن الثنائي الذي يدير المنبر الآن .. وهما ضيو و توت .. ظلا جزءاً من المؤتمر الوطني .. المحلول .. حتى إعلان انفصال الجنوب .. حتى أنني قلت إن على المحتفين بمنبر جوبا .. إزجاء الشكر للمؤتمر الوطني حيث تقوم كوادره على إدارة المنبر ..
هذه الحقيقة التي فاجأت الكثيرين يومها .. كانت بالنسبة لي .. مجرد مدخل للقول .. لا يجب أن نندهش إذا وجدنا منبر جوبا يدار بذات نهج المؤتمر الوطني .. الذي كان مولعاً بعبارة شهيرة وهي .. توسيع قاعدة المشاركة .. و لكن بطريقته هو .. أي هذا التوسيع إنما يعني تعدد اللافتات فحسب .. دون النظر في .. من تمثل هذه اللافتات .. ومن يقف خلفها .. ومن يمثلون .. و ما ثقلهم ..؟!
وهكذا حول الثنائي .. ضيو و توت ..منبر جوبا إلى سوق عكاظ .. يرتاده كل من يملك ثمن التذكرة إلى جوبا .. وحتى من لم يملك ثمن التذكرة .. لم يتعذر عليه الوصول إلى داعمين من مصلحتهم .. تفريغ المنبر من أهدافه المطلوبة .. ففي الوقت الذي جرى فيه التقليد والعرف والإرث السوداني .. أن منابر التفاوض مخصصة لتلك الأطراف التي عجزت عن إيجاد حلول لخلافات عميقة .. فلجأوا إلى المواجهات المسلحة في مرحلة ما .. ثم عبر جهود ضخمة ومسيرين وميسرين .. قبلوا بمبدأ التفاوض .. ثم تواضعوا على منبر يدير ذلك التفاوض .. فهل التزم منبر جوبا بذلك ..؟!
بالطبع لا .. وعلى منهج .. توسيع قاعدة المشاركة .. أصبح منبر جوبا متاحاً لكل من رغب .. باحثين عن مصالح ..و باحثين عن أدوار .. بل وعوضاً عن حملة السلاح .. جاء حملة الأحلام والأوهام .. وبدلاً عن الأحزاب .. مواعين الممارسة السياسية الطبيعية .. ظهرت الجهويات .. عبر المسارات .. وضاعت الخطوط الفاصلة بين القضايا .. ثم بلغ التخليط قمته .. حين تخطى منبر جوبا مهمته الأساسية .. والمتمثلة في كسر الاستعصاء الناشب في عملية السلام .. بمخاطبة مختلف القضايا ذات الصِّلة بمن يتحلقون حول ذلك المنبر .. إلى قضايا أكثر شمولاً وأشد عمقاً .. تواضع السودانيون على إدارة حوار حولها عبر ما عرف تاريخياً بالمؤتمر الدستوري .. لتسمع اليوم أن نظام الحكم قد حسم أمره .. ثم تسمع غداً .. جدلاً حول هوية الدولة .. !!
أما آخر الشوائك في المنبر .. فذلك الجدل الدائر حول تعيين الولاة .. ويدهشك حديث البعض عن أن .. الوثيقة الدستورية قد نصت على أن يكون السلام على رأس أولويات المرحلة الانتقالية .. وهذا صحيح .. ولكن الصحيح أيضاً .. أن ذات الوثيقة التي يستشهدون بها .. قد نصت و بوضوح لا لبس فيه .. على هياكل للحكم الانتقالي .. يقع عليها دون غيرها .. تنفيذ ما ورد في تلك الوثيقة .. سواء عن السلام أو غيره من القضايا ..!
إذن .. أليس من المنطق إكمال بناء هياكل الحكم الانتقالي بما فيها تعيين ولاة الولايات .. حتى يأتي تنفيذ الوثيقة مبرأ من كل الشوائب .. ؟! ألا يعول على ولاة الولايات المفوضين .. دور محوري في تنفيذ اتفاقيات السلام .. حين الوصول إليها ..؟
لماذا يحاول البعض .. وبإصرار غريب وضع عربة السلام أمام أحصنة الولاة بدلاً من أن تتقدم الأحصنة لجر عربة السلام .. أم هي محاولة أخرى لاختطاف العربة .. على ذات نهج اختطاف مفوضية السلام ..؟؟!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.