محاولة اغتيال حمدوك.. تداعيات ما حدث

تقرير: محمد عبد العزيز
اختار المنفذون موكب رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك باعتباره الحلقة الأضعف في سلسلة التأمين للشخصية الأهم في الحكومة الانتقالية بحسب خبراء أمنيين، في محاولة لقطع الطريق أمام السودان لبناء دولة مدنية ديمقراطية، محاولة الاغتيال عبر عملية تفجير منظمة لم تحدث من قبل في التاريخ السياسي السوداني، إلا ان الشهور الماضية شهدت ضبط السلطات الأمنية لمتفجرات وخلايا تنشط في صناعتها آخرها في فبراير الماضي بمنطقة الحاج يوسف تتضمن أجانب اعترفوا قضائيا بالتخطيط لتفجيرات إرهابية لمواقع وقيادات في الحكومة الانتقالية، ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن الحادث الذي يعتبر أول محاولة تفجير من نوعها في تاريخ السودان السياسي، وهو ما يعد تطورا جديدا للأحداث.

وقف التغيير
رئيس مجلس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك قال إن محاولة اغتياله لن توقف التغيير، وأضاف رئيس الوزراء في تغريدة على صفحته بموقع تويتر انهم أكثر إصرارا لتحقيق أهداف الثورة السودانية المحمية بسلميتها وأن ما حدث سيعطي دفعة أقوى للثورة.

في السياق قال المتحدث باسم الحكومة السودانية وزير الإعلام فيصل محمد صالح:(ان موكب رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك تعرض صباح اليوم إلى هجوم إرهابي أثناء سيره من منزله إلى رئاسة مجلس الوزراء)، مضيفا: (تعرض الموكب لتفجير إرهابي وإطلاق رصاص أسفل كوبري كوبر ولم يصب رئيس الوزراء بأي أذى وكذلك المجموعة المرافقة له عدا أحد أفراد التشريفة الذي أصيب إصابة بسيطة بالكتف إثر سقوطه من الدراجة البخارية).

وأضاف البيان ان رئيس الوزراء يباشر مهامه المعتادة بمكتبه وقد بدأت السلطات الأمنية إجراءاتها للتحقيق في الحادث ومعرفة مرتكبيه، مشيرا الى أنه سيتم التعامل بالحسم اللازم مع كل العمليات التخريبية والإرهابية.

تنفيذ التفجير عن بعد بواسطة عبوة ناسفة تحوي شظايا حادة مثل تكتيكا متطورا، فيما كانت العملية دقيقة من حيث اختيار المسرح المناسب قرب المدخل الشمالي لجسر كوبر الذي يتطلب تهدئة سرعة الموكب تمهيدا للانعطاف أسفل الجسر الطائر، فضلا عن تمويه المتفجرات، أما من حيث التوقيت تزامنت العملية مع زيارة مسؤول بالخزانة الأمريكية أعلن فيها ان رفع السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب بات مسألة وقت، وسط محاولات وجهود تبذلها الحكومة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، مما يعطي انطباعا بان الحكومة الانتقالية غير قادرة على السيطرة على زمام الأمور.

الرواية الرسمية
خلت المواقف الرسمية من توجيه اتهام مباشر لمجموعة بالضلوع في الحادثة التي وصفته بالإرهابي، بينما اكتفت بيانات قوى الحرية والتغيير ومكوناتها المختلفة بالاشارة لما وصفته بـ (قوى الردة) التي تسعى لإفشال عملية التحول الديمقراطي.

في الأثناء أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني عن اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز التأمين ووضع الخطط الكفيلة بضمان أمن وسلامة قيادات الدولة والمواقع الاستراتيجية بجانب التأكيد على ضرورة تحديد المسؤوليات الأمنية في الحادثة والتحري الفوري والاستعانة بالأصدقاء بما يسهم في كشف المتورطين وتقديمهم للعدالة.

وبين هذا وذاك يبدو أن محاولة الاغتيال تمثل الجزء الظاهر من جبل الجليد في إطار مخطط لتغيير المعادلة السياسية الحالية قبل الانقلاب عليها، إلا ان فشل المحاولة أدى لتعطل بقية المخطط، فعملية اغتيال رئيس الوزراء وحدها لا تكفي سوى لإحداث بلبلة لن تكون كافية لاستلام الحكم، إلا اذا كانت تهدف لتوجيه رسالة للحكومة الانتقالية دون وعي كافٍ بالتداعيات السياسية.

وتحمل العملية رسالة أساسية مفادها التطور النوعي في عمليات الجهات الرافضة للتغيير ومحاولة وأد عملية التحول الديمقراطي في السودان.

أصابع الاتهام
المتهم الأول في الحادثة هم عناصر النظام السابق وحلفاؤهم من الجماعات المتشددة، حيث تبدو مصلحتهم واضحة للانتقام من عملية التغيير ممثلة في رئيس وزرائها وإعادة خلط الأوراق وإرباك المشهد السياسي وزرع الخوف والفوضى في الشارع، خاصة أن هذه القوى ليس لديها ما تخسره بعد حملة التصفية الواسعة التي طالتها في أجهزة الدولة المختلفة بما فيها الجيش والقوات الأمنية، في وقت زج فيه بأغلب قياداتها في السجون بانتظار المحاكمة، وهو ما يجعل من العملية أشبه بتصرف انتحاري دون اعتبار للتداعيات السياسية، وتأثيره على المجموعة مستقبلا، وان كان السيناريو في هذه الحالة لا يقتصر على اغتيال حمدوك فحسب، بل يمتد لزرع الفتنة في مكونات الحكومة الانتقالية (مدنيين وعسكريين) ومحاولة استغلال الفوضى للوصول للسلطة مجددا ثمة متهمون آخرون بالوقوف وراء الحادثة، ومفادها ان تكون العملية بتدبير من مجموعة محدودة ناقمة من التغيير بسبب الأضرار بمصالحها وامتيازات كانت تحصل عليها في العهد السابق.

نقطة تحول
الحادثة تمثل نقطة تحول في المشهد السياسي السوداني بفتح الباب أمام العمليات الإرهابية المباشرة في المشهد السياسي السوداني طالما كانت هناك مجموعات تفكر بذات الطريقة، وهو ما يجعل المجتمع السوداني يعيد التفكير في الإرهاب بوصفه تهديدا حقيقيا وليس مجرد صور لضبطيات أمنية يتم التشكك في حقيقتها، فيما ستعيد السلطات السودانية التفكير بدورها في التعامل مع الإرهاب ووضع ترتيبات استثنائية، وهو ما ظهر في توصيات اجتماع مجلس الأمن والدفاع بإجراء (مراجعة عاجلة لكافة التشريعات والقوانين الوطنية ذات الصلة بجرائم الإرهاب، في مدة أقصاها اسبوعان)، وهنا تظهر اهمية تكوين إدارة أمنية لمكافحة الإرهاب تضم أفضل العناصر العسكرية والأمنية والشرطية والفكرية للتعامل مع الإرهاب من ناحية فكرية وعملية وفقا لتصورات احترافية مع عدم التورط في انتهاكات لحقوق الإنسان.

في الأثناء ستنخفض نبرة الحديث عن مصالحة مع عناصر النظام السابق ومحاولة إشراكهم في العملية السياسية في حال عدم تورطهم في عمليات فساد او انتهاكات حقوق الإنسان.

النقطة الثالثة تتعاظم أهمية توحد قوى الحرية والتغيير لمواجهة تحديات قد تفوق تصوراتها الأولوية من جهة، أما من جهة ثانية تتعزز أهمية تناغم مثلث السلطة الحالي بمكوناته التي تشمل قوى الحرية والتغيير، والحكومة المدنية، والجيش والدعم السريع وبقية القوات النظامية.

على كل يمكن القول ان الشعب السوداني لم ينكسر لقمع وارهاب ثلاثة عقود، وما حدث لرئيس الوزراء لن يخيفه، الا ان التصدي الامثل هو تسريع اكمال هياكل الفترة الانتقالية ومطلوباتها.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.