عواطف عبداللطيف

(البليمة) هل تعود وقاية من الكورونا؟

شارك الخبر

المرأة في البادية والقرى وربما حتى الآن لم تكن تكتمل زينتها وترتيب ثوبها إلا بعد أن تمدده على كامل أنفها وتعكفه على رأسها بما يطلق عليه (البليمة) كما أن غالبية النساء المستنيرات في ذلك الزمان البعيد كن يعتملن البليمة للتمويه عن شخصياتهن وهن في دروب النضال الوطني ضد المستعمر الإنجليزي او خلال حراكهن لدور التعليم في بداياته وللزيارات والتجمعات. ففي بداية الأربعينات كان الثوب يصمم لأغراض الحشمة والسترة، لكن منذ بداية الستينيات بدأت المرأة السودانية تسائر خطوط الموضة وتبحث عن لفت الأنظار في مجتمع محافظ عبر ارتداء ثوب بنقوش ملونة بطريقة توحي بالأنوثة، وأصبح الثوب رمزا للجمال والمكانة الاجتماعية التي تحظى بها النساء رغم أنه وفي فترة من الفترات دخلت ” البليمة ” ضمن مفردات الحكمة وما زالت تضرب كمثل حين يراد الاستهجان أو التقليل من شأن شخص يحمل شهادات أو درجات علمية لكنه جاهل لا يفقه في أمور الحياة فيقال له ويتحسر عليه بأن “القلم ما بزيل بلم” بمعنى أن التعليم غير المعرفة والتعلم من دروب الحياة وكنوزها ومتاهاتها كما تعتمد النساء ” البليمة ” والشبيه للخمار وللأزياء الموريتانية في الحالات التي تضطر فيها للخروج علي عجالة ولأمر طارئ ودون ان تكون قد أكحلت عينيها وهندست وجهاً كاضطرارها لاستكشاف مصدر أصوات عالية بالشارع او لدى الجيران أو حينما تسمع نواحاً لجنازة أو يطرق على دارها زائر غريب وهكذا … وفي المقابل لو تناولنا ” الفداية ” أقراص الأذن والذي عادت بقوة حينما اعتملته الفتاة الثورية الأيقونة آلاء صلاح وهي تنشد حبوبتي كنداكة وألهبت به المشاعر لمماثلته لزينة الكنداكة والذي كانت ترتديه الملكة الكوشية أماني فدخل مع ثورة ديسمبر الى بيوتات الموضة وراق لكثير من الفتيات وزاحم أدوات زينتهن ووجد مكانته بين أرفف الاكسسوارات وبترينات الذهب والفضة بعد ان كاد يدفن ضمن كثير من التراث والإرث السوداني الذي ما زال مطمورا بين خفايا الأضابير وبعضه في باطن الأرض ومع الانتشار المتسارع لفايروس كورونا عالميا والمجاهدة لكبح جماح انطلاقته والإرشادات الوقائية والتي تشدد على عدم ملامسة الوجه واستعمال الكمامات وتغطية الفم والأنف بل وصل الأمر التشديد للامتناع عن التجمعات وحظر السفر وتم إلغاء الفعاليات وكل ما له علاقة بالتلاقي والسلام بالأحضان ومع الظروف الاقتصادية الخانقة والاضطرار لكسب سبل المعيشة كستات الشاي والأطعمة بالشوارع وكصفوف الغاز والخبز وانعدام الأدوية الحيوية وتكلفتها المرتفعة فان ” البليمة ” تبقى خيارا ضروريا ولفته بارعة لتحاشي الرزاز وكف شرور العطس في الهواء الطلق لمن اضطررتهن الظروف المعيشية للاصطفاف أمام المخابز والتزاحم بوسائل المواصلات أو الانتظار بالمشافي… الخ.
نتوقع ان الفطنة السودانية التي أعادت للفتيات رونق ووهج ” فدايات الكنداكة ” سيعيد ايضا ألق وجماليات ” البليمة ” وربما يعاد أيضا صياغة المثل العتيق ” القلم ما بزيل بلم ” ليصاغ وفق الحداثة البليمة لمكافحة الكورونا حتى ولو في الرصة .. وسلامتكم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.