مع كورونا.. لكم نحتاجك يا محجوب!

انتظرنا نحو ست سنوات لندرك مدى معاناة محجوب شريف مع التليف الرئوي.. محجوب شريف هو أشهر مريض بالتليف الرئوي.. لا في السودان، بل في العالم قاطبة.. ولقد شرحنا قبلاً ظروف إصابته بالداء اللعين.. ولكنا اليوم نلتقي محجوب في ساحة أخرى.. في حصة أخرى من حصص العطاء ونبذ الأنانية.. وإيثار الآخرين.. وحين نقول إن محجوبنا (الشيوعي)، كان يعيش بأخلاق الأنبياء.. ما كنا نطلق القول جزافا..!
ذات عشية مررت عليه بمنزله على عجل.. وجدته مهموماً مغموماً.. ومعه صديقنا القادم من لندن حينها.. ( م – د) إن لم تخني الذاكرة.. قال لي.. وبغير مقدمات على طريقته التي اعتدنا عليها.. في سيدة عندها تليف في الرئة وتعبانة وظروفا ما بتسمح ليها تجيب جهاز تنفس.. قلت له ومعي الزائر اللندني.. خلاص خلي الموضوع دا علينا نحاول نحله.. قال لا.. وبحدة غير مألوفة فيه.. ثم أردف وقد أقسم ثلاثاً.. بكرة الساعة أطناشر لقيتو ليها الجهاز لقيتوه ما لقيتوه أنا حارسل ليها بتاعي دا وأنا ذاتي بعد دا كفاي الهوا الشفطته من الدنيا.. وضحك..!
دارت الدنيا من حولي حتى كدت أسقط أرضاً.. فمحجوب إن قال حتى دون أن يقسم.. فهو فاعل لا محالة.. فما بالك إن أقسم.. ثم تحاورنا قليلاً في الخيارات المتاحة.. وكانت الإمدادات الطبية واحدة من تلك الخيارات.. قلت له وأنا أيمم شطر الباب.. أنا لا أعرف أحداً هناك لكني سأحاول .. فكان رده .. إنت حاول بس والباقي بيبقى.. !
أشهدكم الآن ومحجوب بين يدي الله .. أنني بعد أقل من ساعة من مفارقتي لمحجوب وجدت نفسي أقف أمام المدير العام للإمدادات الطبية.. دون سابق موعد ودون سابق معرفة.. وكان طبيعياً أن أروي له ما جرى قبل أقل من ساعة.. كانت المفاجأة الأولى أن الدكتور جمال خلف الله مدير الإمدادات الطبية آنذاك.. والخبير حالياً بمنظمة الصحة العالمية.. قال لي الجهاز موجود وإكراماً لمحجوب اعتبروه هدية للسيدة المسكينة دي. أما المفاجأة الثانية فقد أذهلتني حقاً حين قال جمال.. بكرة قبل الساعة اطناشر يكون عندها..! إنه ذات السقف الزمني الذي حدده محجوب شريف.. هل يمكن حشر كل هذه الوقائع في خانة الصدفة..؟؟ لا أظن ذلك..!
هل تدرون لم تذكرت هذه الواقعة تحديداً.. ؟ هل لأن أبرز أعراض فايروس كورونا التليف الرئوي.. قد ذكرني بمعاناة شاعر الشعب وحبيبه محجوب ..؟ كلا .. بل الأمر عندي أعمق من ذلك .. لعلك قارئي العزيز تتابع الآن الضجة الثائرة في الغرب .. حول أولوية الحصول على أجهزة التنفس الصناعي.. أو بمعنى لأكثر دقة أولوية الحصول على حق التنفس.. وكيف أن القرار هناك الآن .. أن الأولوية لصغار السن .. فهل سمعتم بواحد فقط .. من كبار السن أو من صغاره.. أعلن عن رغبته في التنازل طواعية.. عن حصته في الأوكسجين .. جراء النقص الحاد الذي تشهده المشافي هناك ..؟ لم ولن تسمعوا بالطبع .. ولكن .. ما بالكم سادتي والشريف محجوب وقبل أكثر من ست سنوات يقسم على التنازل.. طواعية.. عن حقه في التنفس.. لسيدة لا تسمح لها ظروفها بالحصول على جهاز تنفس.. هل رأيتم مثل هذا النبل..؟
أي درس كان سيعلمنا محجوب شريف إن كان بيننا والعالم يصارع التليف الرئوي.. الذي كان هو أشهر ضحاياه.. ألا رحمك الله يا محجوب .. ولك العتبى يا صديقي لأني سأكتب كثيراً مما لم تكن تود أن يعرفه الناس ..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.