بعد حديث عن مراجعات الخرطوم وموسكو..مستقبل التعاون العسكري

تقرير: محمد عبد العزيز

عندما سئل رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أمام البرلمان الأوروبي في نوفمبر الماضي بشكل مباشر عن مستقبل علاقة السودان مع روسيا والصين، كان رده:”روسيا والصين شركاء للسودان في الفترة الماضية، والسودان سيقوم بعلاقات خارجية متوازنة مع كل الدول على أساس المصالح الوطنية”.

علاقات متوازنة
مثلت العلاقات الخارجية المتوازنة واحدة من المطلوبات الرئيسية للحكومة الانتقالية بعد إرث من سياسات النظام السابق المتخبطة والتي جعلت السودان تحت طائلة الحصار والعقوبات الدولية، نجح نظام البشير في خلق تحالفات اضطرارية مع الصين وروسيا في محاولة لكسر العزلة الدولية إلا أن هذه التحالفات لم تمنع سقوط النظام في إبريل 2019 بعد أن سدت عليه المنافذ واكتفى حلفاؤه بالفرجة بسبب مرواغته وعدم الثقة في التزامه.

ورثت الحكومة الانتقالية اتفاقات وديوناً من علاقات النظام السابق أهمها يتصل بتعزيز القدرات الدفاعية وبناء جيش حديث مع روسيا.
القوات المسلحة أكدت، تمسكها بالاتفاقيات العسكرية الموقعة مع روسيا، خلال نظام الرئيس السابق عمر البشير، وقال الناطق باسم القوات المسلحة السودانية العميد عامر محمد الحسن، في تصريحات نقلتها صحيفة (المواكب) “إن جميع الاتفاقيات بما فيها العسكرية التي وقعت في عهد البشير ستخضع لمراجعة عامة وفقاً لمقتضيات مصلحة البلاد العليا. وأشار إلى أن علاقات بلاده قائمة على الحياد مع الدول الأخرى، ما يجعل اتخاذ أي قرار خاضعًا لمراعاة تلك العلاقات الخارجية”.

وقال الحسن خلال زيارة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وقع البلدان عدة اتفاقيات للتعاون العسكري، تتعلق بالتدريب وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية لموانئ البلدين.

وفي فبراير الماضي أكد رئيس هيئة الأركان محمد عثمان الحسين، على أهمية تفعيل الاتفاقيات العسكرية الموقعة بين الخرطوم وموسكو عقب لقاء الحسين، بالخرطوم، مدير الإدارة العامة للتعاون الدولي بوزارة الدفاع الروسية العقيد سيرجي يورشنكا، والوفد المرافق له.
وفي أكتوبر 2019، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لدى لقائه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، على هامش القمة الروسية ـ الإفريقية في مدينة سوتشي، دعم السودان من أجل تطبيع الوضع السياسي الداخلي، فيما شهد سبتمبر الماضي لقاء رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقر الأمم المتحدة، على هامش الدورة 74 للجمعية العامة في نيويورك، واتفق الجانبان على مواصلة التعاون بينهما، والتنسيق في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك.

ووقّع السودان وروسيا عدة اتفاقيات للتعاون العسكري، خلال زيارة الرئيس المعزول عمر البشير، لموسكو في 2017، تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية لموانئ البلدين.
وخلال زيارة البشير لموسكو، تم بحث إنشاء قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر، ولكن روسيا لم تتحمس كثيراً لهذا العرض.

تفاصيل الاتفاق
في يناير 2019 أعلنت روسيا رسمياً موافقتها على اتفاق مع السودان لتسهيل إجراءات دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، على أن يتم دخول السفن بعد إخطار في موعد لا يتجاوز سبعة أيام عمل قبل الميعاد المفترض للدخول”.

وجاء في نص قرار رئيس مجلس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف، بحسب موقع “سبوتنك” أنه تمت الموافقة على مشروع الاتفاقية، الذي قدمته وزارة الدفاع الروسية، بشأن اتفاق بين حكومة روسيا الاتحادية وحكومة جمهورية السودان حول تبسيط إجراءات دخول السفن الحربية إلى الموانئ الروسية والسودانية”.

وأكد مشروع الوثيقة، أنه “في إطار الاتفاق يمكن تواجد عدد لا يزيد عن سبع سفن حربية في وقت واحد، في البحر الإقليمي والمياه الداخلية وموانئ الدولة المستقبلة”.

نظرياً لا يمتلك السودان حالياً حاجة لتواجد قطع بحرية بعيداً عن سواحله ناهيك عن وصولها للموانئ الروسية مما يجعل الاتفاق معني باستقبال الموانئ السودانية لقطع حربية روسية وهو أمر معتاد بالنسبة للأعراف العسكرية حيث يتم استقبال البوارج وتقديم الخدمات لها بل ويمكن أن تقدم عروضاً عسكرية، إلا أن استقبال قطع حربية إيرانية وتركية في وقت سابق أثار حفيظة السعودية لتوترات إقليمية.

أصل الفكرة
فكرة القاعدة العسكرية، كانت مطروحة منذ عام 2012، وكان الروس في حينها أكثر تحمساً لذلك، لا سيما خلال زيارة مساعد الرئيس حينها نافع علي نافع، حيث تم طرحها وكذلك كيفية تطوير العلاقات العسكرية وإعادة تأهيل القوات المسلحة السودانية ودعمها بنظم تسليحية حديثة ودعم سلاح الطيران والدفاع الجوي.

في الأثناء قال رئيس الأركان العامة السابق للبحرية الروسية، الأميرال فيكتور كرافشينكو، إن مشروع الاتفاق بين روسيا والسودان جرى وضعه لتبسيط قضايا التأشيرات ولا يعني ذلك بناء قاعدة بحرية روسية في هذه الدولة.

وأضاف كرافشينكو، أن السفن الروسية متواجدة في البحار في جميع أنحاء العالم، وفي بعض الأحيان هناك حاجة للدخول إلى ميناء ما لتجديد المخزونات الغذائية واستراحة الطاقم والتزود بالوقود.
الخبير العسكري اللواء د. أمين إسماعيل مجذوب يرى أن موسكو تهتم بمنطقة البحر الأحمر كممر دولي يشهد مرور 4 ملايين برميل نفط يومياً و 25 ألف سفينة سنوياً تحمل بضائع بقيمة 2 تريليون مليار دولار وهو ما يعادل 13% من حجم التجارة العالمي لذلك تحرص على التواجد في ظل صراع اقتصادي لتأمين الموارد وتقديم خدمات الموانئ.

كبير الخبراء في مركز الدراسات العربية والإسلامية التابع لمعهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية العلمية الروسية بوريس دولغوف أكد أن القاعدة العسكرية في السودان ستساعد على تعزيز المصالح الروسية في القارة الإفريقية.

ويعتقد دولغوف أن روسيا لن توافق على إقامة قاعدة عسكرية في السودان في القريب العاجل. وقال: ” لا بد من حساب الأموال اللازمة لذلك وسيتضح أن هذه التكاليف باهظة. إقامة قاعدة في بلد آخر ليس بالأمر البسيط. سيكون علينا الاستثمار لدعم حكومتها، لكننا لا نملك مثل هذه الوسائل”.

ترحيب وتحفظ
وفقا لمعهد وارسو فإن الروس أبدوا اهتماماً كبيراً ببناء القاعدة إلا أن بوتين ووزير الدفاع سيرغي شويجو بديا أكثر حذراً لأن بناء مثل هذه القاعدة من الصفر سيشمل نفقات مالية كبيرة، فيما تحتاج روسيا إلى المال لتوسيع قواعدها العسكرية في سوريا.

من الواضح أن أولوية روسيا في هذه المرحلة تتعلق بالتواجد في البحر الأبيض لتأمين مصالحها في سوريا وتأمين خط للغاز يصل إلى أوروبا ومناطق أخرى، بينما الخرطوم تعول على الوجود الروسي لخلق نوع من التوازن في التحالفات الإقليمية والخارجية.

ووفقاً لدراسة أصدرها معهد وارسو فإن موقع السودان الجيوستراتيجي يمكن أن يكون بمثابة بوابة مناسبة لدخول روسيا للتوغل لإفريقيا. وتقول الدراسة إن السودان يسعى لتطوير قدراته العسكرية عبر شراء 170 دبابة من طراز T-72 في العام 2016 ومحاولة الحصول على طائرات نفاثة من طراز سخوي 30 وسخوي 35 Su-30 وقوارب صواريخ، وأنظمة كاسحة للألغام، ومنظومة دفاع جوي صاروخية من طراز S-300، إلا أن ذات الدراسة تشكك في قدرة السودان المالية.

يبلغ طول البحر الأحمر 2250 كم (طوله وعرضه 355 كم ، ويبلغ أقصى عمق له 3،040 م وعمقه 490 م ، وتبلغ مساحة سطحه حوالي 438،000 كيلومتر مربع.

وفي حال وافقت روسيا على إقامة القاعدة في السودان فستكون القاعدة العسكرية الدائمة الأولى لروسيا في القارة الإفريقية، إلا أنها خلال الحقبة السوفييتية كانت لديها عدة قواعد عسكرية منتشرة في عدن اليمنية وبربرة الصومالية وجزيرة نوكرا في إثيوبيا، هذه القواعد كانت تسمح بالسيطرة على مداخل ومخارج البحر الأحمر.

وبحسب مراقبين فإن السعودية طرحت مبادرة لإنشاء كيان بالدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن والتي ستعرف اختصارا بـ(AARSGA)، يهدف إلى “الحد من التدخل الإقليمي الأجنبي في المنطقة وتوفير الأمن وهو أمر مهم للتجارة الدولية وشحنات النفط.”

التعاون العسكري السوداني الروسي الذي يثير حفيظة الغرب يتعلق بالأوضاع في المنطقة خاصة في إفريقيا الوسطى، وهو أمر لن يستمر كما كان يحدث في عهد البشير.

خلاصة القول أن حاجة السودان لبناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على تعاون مفتوح مع دول العالم وفقاً لمصالحه الوطنية وتبعاً لقيم ومبادئ العلاقات الدولية بما في ذلك تطوير قدراته الدفاعية لحماية أمنه القومي.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.