محمد عبد الرحمن سليمان أبوشورة

المؤتمر الاقتصادي حرية التعبير

شارك الخبر

جاء في الأخبار أن لجنة الخبراء الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير حذرت من اتخاذ أية خطوة لرفع الدعم عن الوقود واعتبرت اللجنة أن تلك الخطوة بمثابة خط أحمر وحد فاصل بين ثورة الشعب وبين من يريدون إجهاضها , ودعت اللجنة الاقتصادية رئيس الوزراء والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والآلية الاقتصادية الى إيقاف تصريحات وزير المالية وضرورة إلزامه بما يتم الاتفاق عليه في الاجتماعات المشتركة حتى لا يضعه ذلك في خط معاكس لتطلعات الشعب وثورة ديسمبر المجيدة التي يعمل الشعب لإزاحة أي معوقات عن طريقها .
حسناً فما جدوى عقد مؤتمر اقتصادي في ظل تكميم الأفواه؟ الذي بدأ بتكميم فاه وزير المالية !! وهل نفهم من هذا البيان أن من يتحدث عن رفع الدعم هو من المعوقات في طريق ثورة ديسمبر المجيدة والتي يعمل الشعب لازاحته؟؟ هذه اللجنة لم تقدم اي حجة ضد رفع الدعم غير القول ان رفع الدعم هذا هو من ضمن وصفة (روشتة) Prescription صندوق النقد الدولي , هل نفهم أن الدعم في اعتقادهم هو بر من الدولة على أفراد الشعب وأن الدولة تقدم الدعم هذا بلا من ولا أذى , وفي هذا الصدد من الضروري أن يعلم الجميع أن أي جنية بل أي قرش تصرفه الدولة هو من عرق الشعب , وبالتالي فليس للدولة الحق في الامتنان على شعبها .
والدعم في السودان يفاقم من عجز الموازنة الذي يمول بالاقتراض من بنك السودان , ومديونية بنك السودان على الحكومة هي دين عام Public debt تضاف على الدين الخارجي الذي يبلغ الآن حوالى 58 مليار دولار , وهذا يعني ان الدعم الذي يقدم يقابله دين عام من المفترض ان يسدده الشعب السوداني وتبقى المعادلة= : دعم يقابله دين عام
هل من الأخلاق أن يقدم هذا الدعم على أنه بر من الدولة وفي نفس الوقت يقيد على انه قرض على أفراد الشعب .
من تداعيات تمويل بنك السودان للدعم المفترض هو زيادة عرض النقود في الوقت الذي يعاني منه الاقتصاد من الركود Stagnation واذا كانت نسبة الزيادة في عرض النقود التي تبلغ أكثر من 60% تفوق بأضعاف كثيرة نسبة الزيادة في الناتج القومي الإجمالي فأن النتيجة الحتمية هي الزيادة في أسعار مئات السلع والخدمات .
الدولة تقدم ما يقال عنه دعما للوقود والقمح وتطلق العنان لترتفع أسعار السلع الأخرى , فضنك العيش الذي يعاني منه الشعب أليس هو من تداعيات تمويل الدعم من بنك السودان , ان هذا الدعم هو في حقيقته استقطاع من بقايا عضد ولحم الشعب وإطعامه له .
واذا نظرنا في الأمر بعين فاحصة فليس هناك دعم حقيقي تقدمه الدولة , ففاتورة الدعم يدفعها دائماً المستهلكون –افراد الشعب , وكما يقال ليس هناك Free Lunch وجبة غداء مجانية , فإذا افترضنا أن موازنة الحكومة كانت متوازنة Balanced Budget بحيث تكون الأيرادات مساوية للمصروفات فأن تقديم الدعم لسلعة أو خدمات دون زيادة المصروفات يستلزم خفض الإنفاق على بنود الموازنة الأخرى بقدر الدعم الذي قدم , وهذا يعني أن ما قدم من دعم دفعت قيمته من تلك البنود التي خفضت , أما أذا قدم الدعم وزادت المصروفات فعلى وزارة المالية زيادة الإيرادات بنفس القدر وذلك بزيادة الضرائب او الجمارك , وبهذا يكون المستهلك قد دفع قيمة الدعم الذي تحصل عليه .
ربما تكون الموازنة بها فائض بمعنى أن الإيرادات أكثر من المصروفات ففي هذه الحالة يمكن للدولة أن تدعم السلع والخدمات خصماً من الفائض , ويكون المستهلك قد قام بدفع قيمة الدعم مقدماً Prepaid وعليه يتضح أن ما يقال عنه دعماً لبعض السلع والخدمات في ظل عجز موازنة يمول من بنك السودان هو في حقيقته السم في الدسم بما يخلقه من تشوهات في الأسعار وزيادة في معدلات التضخم المالي الذي يؤدي الى تآكل مدخرات الأفراد ورأسمال المؤسسات ويعيق اى مبادرات استثمارية , والتضخم المالي كما يؤثر في ارتفاع السلع يؤثر في ارتفاع اسعار صرف العملات الأجنبية , فالذي حاق بقيمة الجنية السوداني سببه الأساسى هو ارتفاع معدل التضخم .
وهناك سؤال ملح , لماذا تخشى الدولة أن تسمى الأشياء بأسمائها ؟ لماذا لا تسمي خفض وزن الرغيفة مع الاحتفاظ بنفس السعر الذي يدفعه المستهلك رفعاً للدعم ؟ وماذا عن السعر التجاري للبنزين والجازولين ؟ أليس هذا رفعاً للدعم !! لماذا لا يطابق الفعل القول ؟ .
السيد / وزير الصناعة والتجارة يرفع الدعم فعلياً وكذلك يفعل وزير الطاقة ولا يقال لهما (عينك في رأسك) والسيد / وزير المالية ربما يفكر فقط بصوت عال في رفع الدعم (تقوم الدنيا ولا تقعد) فما لكم كيف تحكمون , وعلى اي حال فان الحديث عن الدعم ورفعه يجب أن لا يصرفنا عن القضايا الأساسية التي تعيق النمو الاقتصادي ونبقى في حلقة مفرغة ننتظر عودة الأموال المنهوبة ومؤتمر المانحين الذين يعانون من الجائحة التي افقدت الأسواق العالمية ترليونات الدولارات من القيمة السوقية لمعظم الشركات .
الأموال التي ترصدها وزارة المالية لدعم السلع وتفاقم بها العجز في الموازنة الذي يموله بنك السودان يجب أن يستغل فب مشاريع إنتاجية كتأهيل السكة الحديد او مشروع الجزيرة , وبالاضافة الى هذا البند يمكن رفع الدعم عن الدولار الجمركي وبذلك تتحصل وزارة المالية على مبلغ كبير (ربما يفوق 260 مليار جنيه ) يقلل كثيراً الاستدانة من بنك السودان , الاقتراض من بنك السودان وسكب مليارات الجنيهات في الاقتصاد هي أس البلاء , لأن هذه الاستدانة تخالف قانون بنك السودان , والذي من أهم وظائفه الحفاظ على قيمة الجنية السوداني, وذلك بضبط عرض النقود واتباع سياسة نقدية رشيدة .

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.