هشام الشواني يكتب: نقد (علمانية) الحركة الشعبية

العلمانية التي يطرحها مثقفو الحركات المسلحة هي وقود للحرب، وكذلك حق تقرير المصير الذي يعتبر كرت تفاوض و يتعبره خطاب الحركة الشعبية مبدأ اساسي بجانب العلمانية. لنفهم كيف ان هذا الخطاب بخصوص العلمانية وحق تقرير المصير هو خطاب للحرب نحتاج العودة للوراء وطرح مناقشات اكثر جوهرية حول طبيعة الافتراضات التي يستند عليها خطاب(الحركة الشعبية/خطاب التحليل الثقافي) وطبيعة تصورهم لمشكلة الحرب والسلام في السودان.

تتجاهل علمانية الحركة جذور المشكلة الحقيقية المرتبطة بطبيعة دولة مابعد الاستعمار المشوهة وبطبيعة المجتمعات المحلية السودانية التي بحكم أنها مجتمعات مابعد استعمارية لم تنخرط او تندمج تاريخيا في رابطة سياسية وطنية واحدة وخضعت لتوحيد قسري في دولة مابعد الاستعمار التي وبحكم طبيعتها الكليانية والشمولية دخلت في صراع مع جميع مجتمعات السودان واشتعلت الحرب وهنا وبعد ان بدات الحرب بدأ تمثيلها والتفكير فيها سياسيا وفلسفيا. لم تبدا الحرب في السودان لدواعي ميتافيزيقية فلسفية كما يطرح مثقفو الحركات علمانيتهم بل الحرب هي نتيجة عملية لحالة تاريخية محددة لمجتعات تقاسي من دولة مستنبتة استعماريا وهنا وكما انتقدنا موقف اتجاه مثقفي الحركات الاستشراقي من الثقافة الاسلامية والعربية الذي يكرس للحرب والعنصرية والكراهية فإن تمثيلهم الفكري للمشكلة مرتبط بمايعرف بأزمة التابع. اننا مجتمعات مستلبة للمركزية الغربية وللتمثيل الغربي وتصورهم عن مشاكلنا بالتالي فإننا نعثر على علمانية ميتافيزيقية متوترة ضد الدين وتحمل في ثناياها تصورات عن الاسلام باعتباره غير متسامح إستعلائي عنصري متعصب والحل في علمانية تستند على ارث التنوير والتبرير الليبرالي. وهنا نجد تصور لاتاريخي للعلمانية والاسلام وحقوق الانسان والديمقراطية. ما تعكسه لنا التجربة الغربية عبر تحليلات رصينة عديدة حول العلمانية والديمقراطية انه ليس ثمة جوهر مطلق للذات الانسانية وحقوق الانسان بل نحن امام حالة تاريخية من اقصاها لأقصاها.

هذه خلاصة خطيرة جدا لأنها تعطي الأولوية فقط للحالة التاريخية التي نعايشها وتقودنا لرفض التصور العلماني الصلب الميتافيزيقي المتعصب الذي يطرحه مثقفو الحركة الشعبية وعدد من مثقفي اتجاه التحليل الثقاقي. هذا الرفض ليس لكونهم غير ديمقراطيين بل لكونهم يتجاهلون الواقع تماما وبالتالي يمنعون عملية تغييره وتستمر الحرب التي يدفع ثمنها البسطاء والكادحون من مجتمعات عديدة. ان الانسان في جبال النوبة والغرب والشرق والشمال يحتاج للكرامة الانسانية والكرامة مفهوم اخلاقي يوجه الموقف السياسي ولكنه ليس مفهوما متعاليا بل نعني الكرامة بماهي إنصاف وسلام وعدل وحرية بالمعنى السياسي لا الميتافيزيقي. يعرفها شارلز تايلور في نقده الموقف الليبرالي العلماني الفلسفي بأن الكرامة هي ” القدرة على الفعل بأنفسنا دون أي تدخل او خضوع لنفوذ خارجي ” اننا امام موقف ضد موقف التنوير الكانطي واقرب للموقف التاريخي الهيغلي.

إذن علمانية مثقفي الحركة هي علمانية متعصبة ميتافيزيقية لا تأبه للواقع وهي بذلك مضرة و لا اخلاقية ولاتكترث ابدا للواقع الدنيوي الذي يواجهه الانسان. هي علمانية كلاسيكية دوغمائية تفرضها النخب السياسية على شعوب السودان وعبرها تدعي هذه النخب انها تمثل صوتهم وكيف لصوت الشعوب ان يكون صوتا ميتافيزيقيا بل هو صوت سياسي للعدل والكرامة والحرية.

ان السبب الرئيسي لذلك التوجه هو كما ذكرت سابقا الوقوع في أزمة التمثيل الثقافي للمشكلة وتجاهل الطبيعة التاريخية للمشكلة كذلك الوقوع في فخ الافتراضات الثقافية الاستعمارية بخصوص الاسلام والمسلمين وتجاهل حقيقة مهمة هي ان الاسلام السياسي نفسه جزء من التجربة التاريخية للاسلام في ازمته مع الحداثة والاستعمار. الاسلام السياسي عكس صوت شعوب الجنوب بعبارة فرانسو بورجا ولكنه واقع كذلك في تمثيل مضاد للتمثيل الاستعماري و واقع اي الاسلام السياسي في تصور خاطئ لا تاريخي عن الاسلام نفسه.

الأولوية الفلسفية التي فتحتها امام أعيننا ثورة ديسمبر تتمثل في أولوية الطبيعة الدنيوية التاريخية على كل أولوية فلسفية ميتافيريقية مثل العلمانية. والاسلام نفسه ينحو هذا المنحى وهنا لا احتاج لتبريرات فكرية من داخل الاسلام وهي كثيرة ولكني أتسق مع موقفي الفكري وأشير لتلك القفزة الرهيبة التي اجاب بها الشعب على جدل الدين والدولة حين طرح مسألة الكرامة والحرية والسلام والعدالة كمسألة اخلاقية متسقة مع الدين ومتسقة مع شروط الدنيا. هذه الاجابة العملية تحتاج لكساء فلسفي جديد بخصوص فهمنا وتفسيرنا لهذه المرحلة الجديدة من التاريخ.

خلاصة الامر هي ان مثقفي الحركات المسلحة هم مثقفون للحرب لا السلام وانهم يعكسون وعي طبقة نخبوية وقادة سياسيين ينالون المكانة والشرعية بالحرب لا السلام ويزايدون بعلمانية دوغمائية ويطرحونها بإبتذال رهيب يكفي ان تطلع على ورقات من كتيب الحركة الشعبية بخصوص ان العلمانية هي الخلاص النهائي لمشكلة التنوع والتعدد والديمقراطية وكأن دولة مثل جنوب السودان تنعم بالتعدد والتسامح. هؤلاء المثقفون عاجزون فكريا عن التعبير عن المشكل بشكله الحقيقي ولكن للاسف فهم اصحاب مكانة وشرعية ويفرضون صوابية سياسية على ابناء وبنات الشعب السوداني في مناطق الحرب ولكن الأمل لايزال قائما في تكسير إحتكارهم لصوت الشعب الحقيقي الذي يدفع ثمن الحرب في الوقت الذي يفاوضون هم بإسمه في الفنادق والعواصم. الأمل ينطلق من المثقف الجديد الخارج من الواقع التاريخي داعية السلام والكرامة وقبل ذلك المؤهل معرفيا لفهم طبيعة المشكلة

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.