البرهان بالقاهرة ـ نقاط مهمة

في استدلال عميق للصديق السفير المثقف خالد موسى ـ بإحدى المنصات ـ يكشف به أن العلاقة مع مصر ليست موضوعاً للسياسة الخارجية فحسب بل هو من صميم قضايا السياسة الداخلية أيضاً، هذا الاستدلال هو أن جعل الفريق إبراهيم عبود ـ رحمه الله ـ في بيانه الأول في العام ١٩٥٨ أن أحد أسباب التغيير واستلام السلطة هو إصلاح العلاقة مع مصر … وربما تكرر ما شابه استدلال السفير خالد هذا في كثير من وقائع وأدبيات السياسة السودانية منذ الدعوات الاتحادية قبل الاستقلال مروراً بمشاريع الوحدة في الحقبة الناصرية ومشاريع التكامل الاقتصادي وبرلمانات وادي النيل، واتفاقات الحريات المتبادلة .. كل ذلك يؤكد أن التطور السياسي والفكري والثقافي في السودان ظل مرتبطا بمصر عبر فترات التاريخ الحديث ..

إذا قفزنا على كل ما مضى وخاصة جانب الإشكالات والتعقيدات فيه وخصوصاً بعض الرواسب غير المنطقية والاكلشيهات التاريخية ، نجد أن البلدين أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقة عفية تفي بتطلعات الشعبين على أسس من المصالح العميقة المشتركة والاحترام المتبادل ، هذه الفرصة إن لم تنسجها العواطف ففرضها حاليا الواقع الإقليمي والدولي وواقع البحث عن المصالح والتآزر والتشارك ليصادف ما هو موجود أصلا من مقومات الجوار والتاريخ والتواصل العميق والوجدان المشترك بما يمثل رأس مال حقيقي سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي يجب أن يستثمر عبر هذه الفرصة التاريخية على الوجه الأمثل والأكمل لصالح الشعبين .

ربما كان الملف الأبرز بالنقاش أمس في زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان لمصر هو ملف سد النهضة باعتبار أن هذا الملف يمثل وجها من وجوه قضية الأمن الشامل والأمن القومي للبلدين، ومع احترام الدولتين لدولة إثيوبيا في حقها في التنمية ومراعتهما لذلك الحق على أساس عدم الإضرار بالآخرين ومن بعد انطلقت التفاهمات على هذا المفهوم إلا أن تنصل إثيوبيا عن الالتزام بالصياغات القانونية الملزمة دولياً في محوري الملء والتشغيل كشف أن هناك تحولاً كبيراً عن مبادئ التفاهمات القائمة على قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) وبدأت تتقافز الشكوك بنية إثيوبيا في التحكم المطلق في مياه النهر ، أو بيعها مستقبلاً لمن يرغب بتحرير ذاتها من أي التزامات قانونية مما يدخل المنطقة بأسرها في توترات عنيفة فوق المساس بقضية الأمن المائي.

توافق الرئيسان البرهان والسيسي أمس وتمسك البلدان بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم في قضية السد يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل السد ويحقق المصالح للأطراف الثلاثة، هذا التوافق يجسد قوة التحالف العادل بكل المقاييس وتوحيد الرؤى التي تبنى عليها سياسات مشتركة تعبر عن مصالح البلدين، وتتعاون مع الآخرين وفق أعراف العالم وقوانينه الدولية الملزمة.

صحيح أن السودان يمر بأكثر مراحله حساسية في فترة الانتقال هذه لكن يحمد لمصر (تسجيل تاريخ) أنها تعاملت مع هذه المرحلة السودانية بمعيار الذهب كما يقولون وفي هذا تبرز كثير من الشواهد ـ فمثلاً مع دعوات كثير من المراقبين في حق مصر الأصيل في التدخل بين الفرقاء السودانيين أيام مفاوضات المجلس العسكري و (قحت) قبيل إقرار الوثيقة الدستورية بحكم القربى والخبرة إلا أنها لم تفعل بقراءة صحيحة لواقع كان فيه مسار تقوده إثيوبيا، ولعدم منح فرصة لأصوات ربما تحاول الكسب بتشكيل التدخل المصري بأي شكل يخدم غرضها في أجواء كانت معلومة الملامح الضوضائية ، لكن مصر كانت حاضرة إيجابياً بما ينفع الناس في مد يد العون لمكافحة جائحة كرونا ، وإبان كوارث الخريف ، وإهداء مخابز الجيش المصري ، وإسعاف مروي والولاية الشمالية عن طريق البر من الحميات التي انتشرت ـ وتلاحظ بهذه الأعمال والأنشطة انتقال جديد لواقع العلاقات على الأرض بعكس ما كان سائداً في السابق .

التحول الأكثر إلى الواقعية والعملية في علاقات البلدين بعد التخطيط عقب معرفة المطلوبات هو الذي سيجسد هذه العلاقة في قالبها الحقيقي، وبشريات ذلك بانت ملامحها في مشاريع الربط الشبكي الكهربائي، والربط السككي، والطرق، والتخطيط لمشاريع الأمن الغذائي،، لكن الاهتمام المشترك بالقضايا الاستراتيجية والإقليمية في واقع الصراعات القائمة الآن بعدة أوجه والتسابق الحامي نحو المصالح ،،، ثم إقرار الاتفاقات الأمنية والعسكرية ـ كما فعل الرئيسان أمس ـ هو الذي سيقوي من علاقة هذا التحالف المصيري ،، لنا عودة ،،، وإلى الملتقى.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.