شراكة المواطن .. الدولة أم الحكومة ؟!

تعمدت استخدام كلمة الدولة .. عوضا عن الحكومة .. لأن الدولة بكامل أجهزتها مسؤولة عن المواطن .. وأمام المواطن .. الدولة بكل أجهزتها السيادية والتنفيذية والأمنية .. و هذه رسالة .. ايضا .. للذين اعتادوا على نقد حمدوك وحكومته فقط دون مكونات السلطة الانتقالية الأخرى .. ولأنني ظللت ولسنوات طويلة أطالب المواطن بتحمل مسؤوليته في إصلاح شأن البلاد عموماً .. والاقتصاد خصوصا .. ولأن الدولة ماضية في سياسات ترى أنها تصلح من شأن الاقتصاد .. فالعدالة وقبلها الأمانة تقتضي أن نطالب الدولة هي الأخرى أن تتحمل مسؤوليتها كذلك .. وإذا أخذنا إجراءات رفع الدعم نموذجاً .. فالخطاب السياسي المقروء مع هذه الإجراءات الاقتصادية يقول بلسان الدولة .. على المواطن أن يتحمل معنا عبء هذه الإجراءات ..! والحال كذلك .. فالمنطق يقول .. إن على الدولة أن تثبت لهذا المواطن .. وقبل أن تطالبه .. أنها تتقدمه في تحمل عبء هذه الإجراءات .. أما أن يزداد الإنفاق العام على الدولة ..وتتراجع قدرة المواطن في الإنفاق على نفسه .. فهذا ليس عدلا و لا حلا لأزمات الاقتصاد .. بل هو نكوص .. إن لم يكن انقلابا على كل الشعارات المرفوعة الآن ..!
ولنأخذ أمر المحروقات نموذجا فقط .. فقد اعلنت الدولة في إجراءاتها الاقتصادية الأخيرة .. أنها قررت تحرير الأسعار .. وفقا للسوق العالمي .. ولكن .. هل التزمت الدولة بما أعلنت ..؟ وهل تركت السعر المحلي محكوما بالسعر العالمي فقط .. ؟ الواقع يقول غير ذلك .. فالرسوم الحكومية المفروضة على لتر الوقود تكاد توازي سعره العالمي .. إن لم تفقه .. فعن أي تحرير تتحدث الدولة ..؟ إن خفض الرسوم الحكومية .. إن لم يكن إلغاؤها بالكامل .. هو مسؤولية الدولة الأخلاقية والسياسية الآن .. قبل أن تحدث المواطن عن أي إصلاح .. ثم تتحدث الدولة عن أن سعر المحروقات في السودان هو الأرخص مقارنة بعدة دول .. أيا كان تصنيفها .. ولكن ذات الدولة تتجاهل الحديث عن مستوى المعيشة وعن دخل الفرد وعن القوة الشرائية .. مقارنة بين مواطنها ومواطني تلك الدول .. !
وتراجع مستوى دخل الفرد وقدرته على الإنفاق على نفسه وعلى أسرته .. يقودنا مباشرة الى تزايد الإنفاق الحكومي .. أو إنفاق الدولة على نفسها .. لدرجة تفوق الوصف .. وتتجاوز أسوأ التوقعات في مخيلة المواطن .. الذي كان ينتظر التغيير .. فقد تضخم جهاز الدولة السياسي بما تجاوز كل السقوفات .. ولا يزال الحبل على الجرار .. وفي المقابل تراجع الأداء التنفيذي .. وعلى كل المستويات .. بما يتجاوز .. أيضا .. أدنى التوقعات ..وهذا يعنى ببساطة أن خدمة الجهاز السياسي في الدولة تقدمت على خدمة المواطن .. ولعل أسوأ ما يسحق المواطن الآن .. من بين أشياء أخرى عديدة .. أن يرى خدمات تأمين الجهاز السياسي تتوفر لها كل الإمكانات .. من سيارات ومصفحات ووقود وأفراد .. وكل هذا على حسابه ..أي المواطن .. بينما أمنه الشخصي تتهدده الكثير من المظاهر السالبة .. هل تفكر الدولة في مراجعة كل ذلك .. ؟ قبل أن تدعو المواطن لمشاركتها في تحمل تبعات رفع الدعم..؟
شخصياً لست متفائلا .. فالتفكير الرسمي ما يزال بعيداً عن الإحساس بالمواطن .. ولا تزال الحلول المطروحة لا تتجاوز أرنبة أنف المسؤولين هنا وهناك .. صديق فى مؤسسة سيادية قدم لي .. ولمرتين .. عرضا للتزود بالوقود من محطة خاصة .. مجانا بالطبع .. وصديق آخر في مؤسسة أمنية عرض علي هو الآخر .. تزويدي بالوقود من أي محطة خدمة .. في أي وقت ومجانا أيضا .. رفضت العرضين .. ببساطة لأنها منحة من لا يملك لمن لا يستحق .. ليبقى السؤال .. كم مسؤول يمارس ذات السلوك ..؟ وكم ممن لا يستحقون يحصلون على تلك المنح ..؟ وكل هذا خصما على حقوق المواطن وعبئا على الإنفاق العام ..؟

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.