حمدوك .. الدفاع عن الذات والسياسات !

تحليل سياسي : محمد لطيف

شارك الخبر

 

الأسلوب الذي تحدث به رئيس الوزراء .. ومحتوى خطابه أمس الأول .. أوحيا بمسألة مهمة .. وهي أنه ربما تلقى رئيس الوزراء لأول مرة النصيحة الصحيحة .. أو ربما قرر الأخذ بها لأول مرة .. وكما اعترف هو على نفسه أنه لا يحب الكلام .. فهذا يعني أن باذل النصح .. هذه المرة .. قد أقنعه بأن يخرج الى الناس .. لا شاهرا سيفه .. بل مستصحبا معلوماته .. و الأهم من ذلك .. مستصحبا الواقع .. لذا بدأ خطابه بغير المألوف لدى الناس .. فقد عرف الناس أن الدكتور حمدوك لا يرد على منتقديه .. ويظن البعض أن خطاباته دائما ما تهوم في عوالم لا صلة لها بالواقع .. حتى اتهمه البعض بالبرود في أحسن الأحوال .. وبالجهل في أسوأها .. لذا وكما قلنا بدأ هذه المرة بغير المألوف .. فكانت الفقرة المفتاحية في خطابه ..( أبدأ بالقول إنني أعي تماماً حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها بلادنا؛ أعرف أن هنالك من يحاول الإيحاء بأننا نعيش في برجٍ عاجي، وربما مردّ ذلك أنني لم اعتد على التحدث كثيراً أو الظهور في كل وقت، فمنهجي أن أترك للسياسات والقرارات أن تتحدث) .. إذن كان هذا ردا شخصيا .. ولكنه موجز ومباشر ..!
بدأ الدكتور حمدوك خطابه بالحديث عن الوضع الاقتصادي .. و عمد الى القول إن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة .. قطرة في بحر إجراءات كثيرة .. تهدف في محصلتها النهائية الى إخراج الاقتصاد من وهدته .. كان ذلك واضحا في كل كلمة من كلمات الفقرة الخاصة بالوضع الاقتصادي .. لذا بدا محزنا ومضحكا في آن معا .. سؤال البعض عن أنه لم يتعرض للزيادات الأخيرة في أسعار المحروقات .. فحق له أن يكتفي بعبارة .. ما علي إن لم تفهم البقر .. ولكن الوضع الاقتصادي وما ورد عنه في خطاب رئيس الوزراء .. قد تضمن فقرتين مهمتين .. أرى أن المعالجة فيهما .. جاءت ناقصة .. أو غير دقيقة .. فرئيس الوزراء قد تحدث في خطابه عن برنامج الدعم الاجتماعي وكشف عن أنه من أصل المبلغ المرصود لم يستغل حتى الآن إلا 15 % فقط .. بينما يستهدف البرنامج 80% من الشعب السودانى .. فعدد المسجلين حتى الآن لم يتجاوز السبعمائة الف .. واعترف رئيس الوزراء أن تقصيرا إداريا أقعد بالأداء وعطل العمل .. ليقودنا هذا الى سؤال .. ما هي الإجراءات التي اتخذتها حكومة سيادته لمحاسبة من تسببوا في ذلك التقصير ومن ثم تعطيل العمل ..؟ ونسأل عن المحاسبة والمساءلة .. لأن من أمن العقاب أساء الأداء .. لن نقول الأدب .. لذا ولضمان انسياب العمل وضمان تنفيذ سياسات الحكومة في واحدة من اكثر المجالات حساسية وحيوية .. فلا بد من محاسبة كل مخطيء .. والأهم من ذلك إحاطة الرأي العام بذلك .. وهنا يجدر بالمراقب طرح سؤال آخر ..وهو لأي مدى جرى ويجري التنسيق بين المؤسسات الحكومية المختلفة في مجال حصر وتصنيف المواطنين .. على سبيل المثال .. فالسجل المدني يضم نحو خمسة وثلاثين مليون مواطن .. وهناك المركز القومي للمعلومات الذى يفترض أنه مستشار الحكومة وبوابتها نحو المعلومات .. ورغم كل ذلك فرئيس الوزراء يناشد في خطابه المواطنين بالمسارعة للتسجيل في برنامج ثمرات لنيل الدعم .. ليأتي السؤال .. لما لا تستفيد الدولة من المعلومات المرصودة لدى مؤسساتها أصلا .. أم أن هذا التنسيق نفسه كان جزءا من الأزمة .. ؟ فالمواطن يريد أن يعلم ..!
وفي ذات المنحى تحدث رئيس الوزراء .. عن برنامجين وكأنهما حزمة واحدة .. والواقع أنهما برنامجان مختلفان كلية لا رباط بينهما .. وأعنى بهما برنامج سلعتي و الحركة التعاونية .. ففي رأي التعاونيين .. أن برنامج سلعتي جاء ليحل محل التعاون .. ويستدلون بكثير من الشواهد التي تؤكد مخاوفهم تلك .. ولعل المفارقة الكبيرة .. أن خطاب رئيس الوزراء نفسه قد حمل جانبا من تلك المخاوف في قوله .. (كما كانت هناك بدايات مُبشِّرة لعمل الجمعيات التعاونية تعثرت أيضاً) فليت السيد رئيس الوزراء قد تقصى في أسباب هذا التعثر .. فسيكتشف أن ثمة من يدس المحافير .. وأن ثمة صراع بين (سلعتي) والتعاون .. وسيدرك بنفسه أن التعاون هو الذي يحقق رغبته كما قال في خطابه ..(حتى تعود للتعاونيات مكانتها كمنافذٍ لتيسير وصول السلع الضرورية للمواطنين بشكل مباشر ودون وسطاء أو مضاربين ) .. لا قناة رأسمالية جديدة .. جرب الناس أمثالها من قبل .. ولو تمعن السيد رئيس الوزراء قليلا لاكتشف ايضا أن خطابه قد حمل توجيها ذهب الى غير وجهته .. فقد قال ( ومن هنا أدعو لجان التغيير والخدمات والشباب للتعاون في الأحياء والقرى والمدن كي يسهموا في تنشيط الجمعيات التعاونية بمناطقهم ) .. فهذه نظريا دعوة صحيحة .. ولكن عمليا فإن إقالة عثرة التعاون وإطلاقه للعب دوره الاقتصادي كقطاع يتجاوز الاستهلاك الى الخدمات والإنتاج .. فتبدأ من التخلص من العقول المتكلسة التى تهيمن على منظومة التعاون الرسمية .ولا تؤمن حتى بدور هذا التعاون .. ثم تمكين القطاع الشعبي في التعاون من ممارسة دوره في تكوين جمعياته القاعدية .. ثم اتحاداته المختلفة وصولا للاتحاد القومي .. وعبر ممارسة ديمقراطية حقيقية .. عرفت بها الحركة التعاونية .. عندها فقط يتعافى التعاون ويسهم في دعم الاقتصاد ..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.