كيف يفكر رئيس الوزراء؟ (5)

تحليل سياسي: محمد لطيف

شارك الخبر

(وجه رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بمغادرة وفد بقيادة وزير الداخلية الى ولاية البحر الأحمر فورا.. وأكد رئيس الوزراء ضرورة فرض إجراءات أمنية صارمة على الأرض لوقف كافة التفلتات، وتوقيف كل من يثبت تورطه في أحداث العنف، كما وجه الوفد بالتباحث مع قيادات الولاية السياسية والأمنية والمجتمعية فور وصوله، ومخاطبة القضية بكافة أبعادها مع جميع مكونات الولاية) .. كان هذا خبر نهاية الإسبوع ولم أتفاجأ به فالطبيعي أن يُكَلف وزير الداخلية للتصدى لمهامه الأمنية في كافة أرجاء البلاد، ومن الطبيعي كذلك أن تتصدى الشرطة لمسئولياتها التى نصت عليها الوثيقة الدستورية على النحو التالي.. ففي الفصل الحادي عشر، المادة 35 منه نصت الوثيقة الدستورية على أن (قوات الشرطة قوات قومية نظامية لإنفاذ القانون وتختص بحفظ الأمن وسلامة المجتمع وتخضع لسياسات وقرارات السلطة التنفيذية وفق القانون).. إذن مارس رئيس السلطة التنفيذية، الذي هو رئيس الوزراء صلاحياته الدستورية بتكليف قائد الشرطة، الذي هو وزير الداخلية.. للقيام بواجباته الدستورية.
ولكن توجيه رئيس الوزراء تجاوز التكليف الأمني.. حيث كلف مبعوثه بـ (الدخول في مباحثات مع قيادات الولاية السياسية والأمنية والمجتمعية فور وصوله، ومخاطبة القضية بكافة أبعادها مع جميع مكونات الولاية).. وهذه لم تفاجئني ايضا.. فقبل أيام من تفاقم الأحداث في بورتسودان وصدور التكليف اعلاه لوزير الداخلية من رئيس الوزراء، كنت اتحدث الى الأخير عن دور جهاز الشرطة، وما يجب أن تفعله لحماية عملية الانتقال.. كان الدكتور حمدوك واضحا ومحددا وهو يقول لي: “لا خيار لنا غير الشرطة لحماية الديمقراطية وتأمينها”.. وقد بدا الرجل راضيا عن العلاقة بينه وبين جهاز الشرطة.. راضيا ايضا عن أدائها، رغم أنها مثلها مثل كثير من المؤسسات التى خربتها الإنقاذ، وأساءت توظيفها، مما يستدعى الكثير من المراجعات والإصلاح، كما قال.. ولكنه قال عن وزير الداخلية إنه doing well , وقال إنه يلتقي بقيادات الشرطة باستمرار.. ولكن ملاحظة ابديتها أمامه، فتحت الباب أمامي واسعا على سيل من المعلومات.. أنت تلتقي قيادات الشرطة صحيح، ولكن الصحيح ايضا أنك في حاجة لرسائل تصل لعشرات الآلاف من رجال الشرطة الذين ينتشرون فى اصقاع السودان المختلفة.. كان رده: “ملاحظتك سليمة”.. ولكنه إستدرك مرددا عبارته الأثيرة: “أنا افضل الفعل على القول.. واعلم ما تحتاجه الشرطة”. ثم أردف بإفادات مهمة تؤكد نظرية تفضيل الفعل على القول هذه حين قال لي: “تحدثت مع رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الإنتقال عن أن تدريب الشرطة وتأهيل افرادها أمر مهم جدا بالنسبة لنا، ولكن الأهم من ذلك أن نوفر المطلوبات المختلفة من آليات حركة وأجهزة اتصال ومعينات تصد، حتى يتمكن الشرطي من تطبيق قدراته الجديدة في حماية المجتمع وتأمين المدن ومكافحة الجريمة. وأن هذه ينبغي أن تكون ضمن إسهامات الأمم المتحدة في إطار مسئولياتها لدعم الانتقال”.
إذن حمدوك يستصحب الشرطة الى ملعبه المفضل.. ليس هذا فحسب، بل يضيف: “لن ننتظر بالطبع، بل قررت تخصيص جزء من الدعم الذي قررت واشنطن تقديمه بشكل عاجل وهو في حدود سبعمائة مليون دولار، لمواجهة احتياجات الشرطة العاجلة ايضا”.. ويضيف: “ايضا كانت للشرطة علاقات تدريبية متميزة مع المانيا، وقد اتصلنا بهم -أي الألمان- وهم جاهزون لاستئناف تلك العلاقة فورا”.
إذن حين فوض رئيس الوزراء وزير داخليته سياسيا، فثمة ثقة فى الأخير دفعته لذلك.. ولعل تجرية عز الدين الشيخ في ولاية كسلا حين كان مديرا للشرطة ونجاحه في نزع فتيل الأزمة هناك، كانت واحدة من معززات الثقة لدى رئيس الوزراء في وزير داخليته.. وهذا لن ينسينا ملاحظة سابقة لرئيس الوزراء. (مناهضة خطاب الكراهية جهد مجتمعي قبل أن يكون قرارا سياسيا فإن لم تتصد أحزابنا لقيادة التغيير الاجتماعي.. فمن يفعل..؟) نعيد السؤال فقط.. ولنا عودة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.