الامتحان في .. مفهوم الخارجية !

تحليل سياسي : محمد لطيف
على عهد الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل في وزارة الخارجية .. انعقدت منافسات للحصول على وظائف في السلك الدبلوماسي .. بعض المتنافسين ابلوا بلاء حسنا .. وحققوا نتائج ممتازة في كل المنافسات .. فقط كان ينقصهم الولاء للحزب الحاكم آنذاك .. المؤتمر الوطني المحظور .. فتجاوزهم الاختيار .. وكتبنا يومها ناقدين ما جرى .. معيبين على الخارجية ما فعلت .. المحير الآن أن التاريخ يعيد نفسه .. بخطوة تكاد تكون مشابهة .. ولا نقول مطابقة لما وقع فى العهد البائد .. ولكن في عهد من ..؟ في عهد الثائرة .. الحقانية .. الدكتورة مريم الصادق .. تابعنا وتابعتم ولا شك .. كل ما رشح عن هذا الموضوع في الإعلام .. بل ونشرت قوائم نتيجة الإمتحان التحريري .. واتضح أن كثيرا من الراسبين في تلك القوائم .. قد اتخذوا طريقهم الى قوائم القبول سربا .. بينما تجاوز شرف دخول القائمة النهائية .. متفوقين وفق ما ظهر في القوائم المنتشرة .. فكان طبيعيا أن تقوم الدنيا ولا تقعد ..!
وقد تريثت مطولا لأرى رد فعل وزارة الخارجية على كل ما أثير .. ظننت وبعض الظن إثم .. أن يخرج بيان من الخارجية يؤكد فيه عدم صحة تلك القوائم التي نشرت وهي تحمل نتيجة الإمتحان التحريري .. أو أن تعلن الخارجية تعليق النتيجة النهائية وتشكل لجنة للتحقيق في كل ما رشح .. ولكن سببين لم يتركا أمامي خيارا غير التعليق على ما يجري .. السبب الأول أن الخارجية صمتت صمت القبور بشأن قوائم نتائج الامتحان التحريري .. التى سربت أو تسربت .. فالصمت هنا لا يعني سوى الاعتراف بصحة ما ورد في تلك القوائم .. أما السبب الثاني .. فهو البيان الذى صدر عن الخارجية .. ربما حين كثرت عليها الضغوط .. لتقول فيه إنها قررت تشكيل لجنة إستئناف لتلقي الشكاوى .. فهذا يعنى أن الخارجية تقر بكل ما جرى .. ولكنها على إستعداد للنظر في .. شكاوى فردية .. وفات على الخارجية أن الاحتجاجات ليست على عدم قبول متفوقين .. بل على قبول راسبين ..! والبون شاسع بين الأمرين ..!
أما ثالثة الأثافي بالنسبة لي فقد كانت ذلك التفسير الجديد الذى قدمته الخارجية للامتحانات .. فلن يختلف اثنان أن اللجوء للإمتحان .. أي إمتحان .. يكون دافعه الرئيسي وهدفه النهائي الوصول الى ترتيب عادل لمستويات الممتَحنين .. وإختبار قدراتهم ومعارفهم وإلمامهم بالشأن الذى يُمتَحنون فيه .. أيا كان ذلك الشأن .. والمؤكد أن أي متقدم للامتحان .. لا شك يضع نصب عينيه هذه الحقيقة فيجتهد ليضع نفسه في موقع متقدم عند ترتيب النتائج .. وإمتحان الخارجية الذي انعقد للمتقدمين لوظائفها .. تنطبق عليه هذه الحقائق ولا شك .. ويقيني أن جامعة الخرطوم .. أعرق مؤسساتنا الأكاديمية .. قد إستصحبت هذا التعريف البدهي للإمتحان .. فصممت إمتحانات يجعل من يجتازه بتفوق مؤهلا لخوض الإختبارات النهائية والدخول الى سلك الدبلوماسية .. أما من لم يجتاز تلك الامتحانات .. أو حقق فيها نتائج متواضعة مثل .. 50% .. فالمؤكد أنه غير مؤهل للتدرج في سلم المنافسة .. فماذا حدث ..!
حين ارتفعت الأصوات بالشكوى .. خاصة بالنظر الى القوائم .. وتعدد ظهور رأسيين في قائمة القبول .. فاجأت الخارجية الجميع .. بتعريف جديد للإمتحان .. حيث قالت أن الإمتحان الرئيسي لم يكن لترتيب الممتَحنين .. وإنما لتصفية المرشحين .. وهذا تفسير أقل ما يمكن أن يوصف به أنه غريب ومربك .. لأن السؤال الطبيعي الذي يفرض نفسه في هذه الحالة هو .. على أي المعايير إستفدت خطوة تصفية المرشحين .. إن لم تكن نتيجة الإمتحان ..؟ ونتيجة الإمتحان تعني تلقائيا .. ترتيب المتفوقين حسب درجاتهم التي حصلوا عليها في الإمتحان .. لأن الإمتحان .. أي إمتحان .. يفضي الى نتيجة واحدة لا غير .. وهي ترتيب الممتَحنين .. حسب درجاتهم .. من الأعلى درجة حتى الأقل درجة .. وأي معيار غير ذلك .. يصبح إجتهادا غير موفق من الخارجية .. بل إن هذا يعنى أن الخارجية قد ركلت نتيجة الإمتحان جانبا .. وبالتالي مصمميه كذلك .. وهي أعرق مؤسسة أكاديمية قادرة على تقييم الممتَحنين . و أتت بمعيار أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه فارق العدالة .. ومع ذلك سنمضي لآخر الشوط مع الخارجية في تعريفها الجديد لمفهوم الإمتحان .. تصفية المرشحين .. ونطرح سؤالا مباشرا .. ماذا يعني أن يتجاوز الإختيار ممتحنا يحمل بكالوريوس في اللغة الفرنسية وشهادات عليا من أرقي الجامعات البريطانية في العلاقات الدولية وحقوق الإنسان .. مع خبرة عملية فى العديد من المنظمات الدولية .. ثم يجتاز الإمتحان بإمتياز في كل المواد .. وفي المقابل يشمل الاختيار ممتحنا رسب في ثلاث مواد .. من أصل اربعة .. بما فيها اللغة الإنجليزية والعلاقات الدولية ..؟

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.