لا تتنابزوا بالأمراض

إبراهيم أحمد الحسن

شارك الخبر

 

مت بأي مرض من الأمراض، وتفادى السكري وارتفاع ضغط الدم فهو سبة وعيب!!
كانت وكدأبها دائماً لا تكف عن توزيع اللوم على كل من هبت ودبت من جاراتها وصويحباتها، تنتهز مناسباتها من فرح وكره لتبدأ في توزيع رزنامة اللوم في إكشليهات جاهزة حفظتها جاراتها عن ظهر قلب. كان لومها لا يخلو من غلظة وعدم لياقة ولؤم.
جاءتها فرصة اللوم واللؤم المنتظرة تجرجر أذيالها كما قال أبوالعتاهية في مدح الخليفة العباسي المهدي عندما تولى الخلافة (وَقَد أَتعَبَ اللَهُ نَفسي بِها / وَأَتعَبَ بِاللَومِ عُذّالَها / أَتَتــهُ الخِلافَــــــةُ مُنقادَةً/ إلَيـــهِ تُجَــــرِّجرُ أَذيــالَها / وَلَــم تَـــكُ تَصلُحُ إِلّا لَـهُ/ وَلَـــم يَــكُ يَصلُـحُ إِلّا لَها / وَلَو رامَها أَحَـــــدٌ غَيرُهُ/ لَزُلزِلَــتِ الأَرضُ زِلزالَها).
كانت وفاة أبيها مناسبة وفرصة ساقت فيها اللوم والثبور للمتخلفات عن أداء واجب العزاء فيه، جلدتهن بسلاطة لسانها وعباراتها المقذعة الني لم تراعِ حق جيرة ولا ذمة، ويا ويل من رماها الله في طريق لومها المكتظ بالذم والشتائم والتقريع والاستحقار. بكت بحرقة وانتظرت على أهبة اللوم واللؤم جموع المعزيات يأتين اليها جماعات وفرداناً، راجلات وراكبات، ومن كل فج عميق، مراعاة لحق الجيرة ودواعٍ أخرى كثيرة، وأسباب يأتي على رأسها الخوف من سلاطة لسانها واتقاء نيران شتائمها، الجميع أتين وتلاقت عندها قمماً يا مرحى، إلا نساء تلك القرية فلم يحضر أحد، جن جنونها، وبالطبع لم يعجبها ما خالته تصرفاً مستفزاً من جاراتها في القرية المجاورة، فبدأت في إرسال إشارات لوم خجولة لا تخلو من لؤم، عسى ولعل أن يأتين، ثم زادت من جرعات اللوم، ووتيرة الشتائم تبخس من شأنهن وتحط من كبرياء زائف تلفحن به حسب اعتقادها وخاصةً بعد أن وضعت وفاة والدها حداً فاصلاً لا استمرار بعده لأي علاقة مع كائنات الله في أرضه. وبعد انفضاض سامر المعزيات جلست واللؤم في عينيها تقرأ في فنجان مقلوب قائمة اللائي غبن عن العزاء، جلست تقرأ ولم تك كحال نزار قباني حين قال:
“مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب بغير قلوع/ وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع/ مقدورك أن تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار/ فبرغم جميع حرائقه/ وبرغم جميع سوابقه / وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار/ وبرغم الريح وبرغم الجو الماطر والإعصار/ الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار”، لم يك اللوم عندها حباً وعشماً، ولا (الما دارك ما لامك) بل هو لؤم وسوء طباع. وعند استعراض الفنجان (المغلوب) للنسوة من القرية المجاورة، طفقت تكيل لهن السباب والتقريع ثم ختمت موالها الطويل من الشتائم رافعة عقيرتها قائلة: (أحمد الله أنا أبوي لا مات بسكري .. لا مات بضغط )، ما كنت أعرف أن الموت بالسكري والضغط سبة أو مدعاة للذم، إلا عندما قال محدثني إن المرأة قالت ما قالت في حق السكري والضغط ليس إلا أن أهل القرية المجاورة شأنهم شأن الكثير من خلق الله يموتون بأمراض شتى لكن أكثرها شيوعاً أمراض السكر وارتفاع ضغط الدم. تعاير المرأة جاراتها بموت أهل قريتهن بالسكري والضغط، وتفتخر بأن أباها مات دون علة، تتعدد الأسباب والموت واحد مثل راسخ وبليغ ونافذ.
حتماً سيأتي اليوم الذي تترفع فيه مثل هذه المرأة وترفع جهلها بأن تتعظ بالموت وتعرف أن المرض -أي مرض- ليس سبة ولا مدعاة للتبرؤ منه وإنكاره ، وهو قدر وسهم يصيب كل من هو (مكتوب له) (ومقدر)، ثم إنه ليس بالسكري والضغط وحده يموت الإنسان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.