رجال الإدارة الأهلية من الحكمة إلى المشاغبة.

مخلصكم / أسامة ضي النعيم محمد

شارك الخبر

الحكمة في الشرق يمثلها الناظر، إدريس محمد إدريس، أحد زعماء البني عامر- عليه رحمة الله، حكمة ورجاحة عقل أبداها الرجل حين وقف في عام 1882م أمام الأمير عثمان دقنة، وأعلن دخول أفراد قبيلته في المهدية، كان لذلك الإعلان الأثر العميق في نضال وجهاد أهل الشرق، تحت راية الأمير عثمان دقنة، ثم تبدت حكمة الإدارة الأهلية في السودان، حينما حافظت على قماشة المجتمعات السودانية وجمال نسيجها، حكمة فرضت نفسها على الحاكم العام الإنجليزي، وأصبحت اإادارة الأهلية من مكونات الحكم في السودان، وأصدر لها قانون الإدارة الأهلية في العام 1951م.
يدور الزمان ويتعاقب الحكام على أرض السودان، وإذا بالحكمة تفارق بعض رجال الإدارة الأهلية، الناظر ترك في شرق السودان يلعب دور المشاغب، والولد الشقي الذي يقف معانداً لحكمة أهل السودان، سلمية المقاومة، وحسن التدبير أبداها ثوار ديسمبر 2018م، واستطاعوا عبرها إبهار العالم، واقتلاع أسوأ أنظمة الحكم الداعشي في العصر الحديث، تأبي نفس الناظر ترك إلا عودة الدواعش، وبيوت أشباحهم سيئة السمعة، يتوارون من أفعالهم في اغتصاب الرجال، ونهب أراضي الأوقاف، والميادين، وسرقة أموال المودعين في البنوك، ويوعزون إلى الناظر ترك لحل لجنة التمكين التي سخرها الله لفضح جرائمهم، وتعرية الأفعال الشائنة التي مارسوها حكاماً.
ساهمت حكمة رجال الإدارة الأهلية في ترشيد تكلفة الحكم في السودان منذ تأسيسها، كان لرجال الإدارة الأهلية محاكم خاصة، وأشهرها محكمة (زانوق) عند شجرة اللبخ الأشهر ببارا، في حل الخلافات الأسرية، فتجد عند رجال الإدارة الأهلية الحكمة في الحفاظ على تماسك الأسر، تصر الزوجة على عرض الأمر على العمدة أو الناظر؛ لعلمها بأن الأمر سينتهي لصالح بيتها، وتجد مكافأة تسرها، كان نظار المدارس الأولية ينشدون عون رجال الإدارة الأهلية في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، لإرسال أطفال القبيلة إلى المدرسة الداخلية، بدلاً من تسخير الطفل راعياً، يذهب أشراف رجال القبيلة إلى مدى بعيد في إلزام الآباء بإرسال أطفالهم إلى المدارس؛ مما يعبر عن حكمة وبعد نظر رجال الإدارة الأهلية في ذلك الزمان.
في عهد الناظر ترك، رأينا الوجه الغريب للجالس على كرسي الحكمة، وحسن التدبير لواحدة من أعرق قبائل السودان، والسير في الاتجاه المعاكس لنهج قبيلة السودان الكبرى في محاولة تلمس عودتها إلى الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة لا يعبر عند الناظر ترك إلا عن غياب حكمة توارثها الخلف من السلف، المشاغبة حلت بديلاً لصوت العقل ثم التأني والبعد عن فعل الشين، الغرض أحياناً يذهب بصاحبه إلى منح العقل وصواب الرأي إجازة مفتوحة، كما هي عند الناظر ترك في موقفه معانداً ومشاغباً للمكون الكبير لحكم البلاد، الذي يفترض أن يكون هو أحد الأركان الأساسية في بنائه لاستمرارية السودان البلاد والعباد.
الرجوع إلى تاريخ السودان الحديث، ينبئك بأن الحكم العسكري جثم على صدر أهل السودان لأكثر من خمسين عاماً، وكان إرث تلك الفترة الممتدة دولتين فاشلتين، وقبيلة تحاول فرض هيمنتها على بقية القبائل والأقاليم، مطالبة الناظر ترك بعودة الحكم العسكري لا يسندها تاريخ في رشد الحكم، ولا خطة أجمع عليها أهل السودان يوكل تنفيذها إلى حكم عسكري، ثم تأتيك مرئيات الناظر ترك في حل لجنة تفكيك نظام الإنقاذ، بلا بديل يقدمه الناظر، ليت الناظر ترك ناشد علي عثمان ونافع وعبد الباسط حمزة ووداد وعلي كرتي إعادة ما استولوا عليه من أراضٍ وعقارات مقابل إسقاط إشهار نزع تلك العقارات والمنقولات، ليت الناظر ترك تحدث عن صندوق إعمار الشرق، وإخفاقه في سقيا بورتسودان، بالرغم من وعود البشير المتكررة لأهل المدينة، مشروع حصاد المياه من أموال إعمار الشرق يحتاج إلى لجنة تفكيك خاصة بالصندوق لتحليل صرف وإنفاق الدولارات التي تسربت، ولم نحصد مياهاً للسقيا.
المشاغبة لا تأتي إلا بمزيد منها، ومن داخل بيت القبيلة، فالصبر ومعالجة القضايا داخل القبيلة، وبينها ومكونات المجتمع السوداني الكبير تحتاج إلى طراز من حكماء القبائل السودانية، كما كانت عند النظار إدريس محمد إدريس، وشيخ العرب أبوسن، ومادبو، ودينق مجوك، ويوسف العجب، ومحمد تمساح سيماوي (زانوق)، وغيرهم من حكماء ذلك الزمان من رجال الإدارة الأهلية، وفي غياب حكماء الإدارة الأهلية، وتنمر المشاغبين اليوم يحضرنا المثل (النار تلد الرماد).
وتقبلوا أطيب تحياتي.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.