(1 )
أن تحدث محاولة انقلابية وتفشل، ويعقبها هيجان و(اضربوا على الخونة بيد من حديد)، أمر كثير الحدوث في تاريخ دولة ما بعد الاستقلال السودانية، ولكن الغريب في محاولة الثلاثاء 21 سبتمبر 21 أنه أعقبتها حرب تصريحات بين مكوني الحكم، أي بين العسكريين والمدنيين، ولكن الأغرب هو ما حدث يوم الخميس (يوم التالتة) بالتاء، بين ذات المكونين إذ هدأت حرب التصريحات، والتقيا في الاجتماع المشترك المنوط به التشريع، فقاما بتعديل الميزانية، وعكست لنا الشاشة الابتسامات فهي إن كانت نابعة من وحي الجلسة أو لزوم الكاميرا، فإنها تشي بأن هناك إصراراً على أن (ريدتنا لازم تستمر) بالصح أو الكضب. يوم الأحد الماضي صدر قرار خاطئ، لا، بل كارثي قضى بسحب الحراسات العسكرية من مقار لجنة التفكيك، ومن منزل عضو مجلس السيادة، محمد الفكي، فكانت ردة الفعل حفلة خطابية تلفزيونية، لا تقل كارثية عن القرار في مقر لجنة التفكيك.
(2 )
الآن دخلت الأزمة أسبوعها الثاني وما زالت (العَوَّا) بين قيادة المكونين على أشدها، ولكن مع ذلك لم يجرؤ طرف ليعلن فض الشراكة، لا، بل تراجعت عمليات الشيطنة، وأصبح الهجوم منصباً على الشكل، وقويت القناعة العامة التي ترى أن هذة فترة انتقالية، ولابد من أن يكون فيها المكونان موجودين لتنتهي بحكم مدني كامل الدسم، فالوثيقة الدستورية صممت على هذا الأساس، ثم جاءت اتفاقية جوبا معضدة لذلك، والفريقان الحاكمان يعملان وفق هذة القناعة، لا، بل الدكتور حمدوك كثير المدح لهذة الصيغة، ويرى فيها تجربة سودانية متفردة، ولكن هذا لم ولن يمنع التجاذب والتنازع بين المكونين (كومي وكومك، وحقي وحقك)، لا، بل أحياناً تصل الشغلانة مرحلة التربص ومحاولة زيادة الاستحواذ ونفي الشريك إلى أقل حد ممكن، ولكن إلغاء وجود بالكامل مستحيل، وأكاد أجزم بأن محاولات كثيرة غير معلنة جرت من أحدهما أو كليهما لرمى الآخر من على ظهر حمار السلطة، لكنها لم تنجح، فكل طرف لديه من الدرقات ما تقيه من سيوف الآخر، وهذه الدرقات محلية وإقليمية ودولية، شكلت ظرفاً موضوعياً يحتم البقاء للاثنين، وهذه الدرقات لم يصنعها فرد أو جهة، بل أفرزها التآمر والتآمر المضاد (ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
(3)
لذلك لن يكون من المستغرب أن يحدث التصافي بعد التجافي اليوم أو غداً بين المكونين ومهما (حتوه قرض) لابد من أن يلتقوا، وكما قال الأستاذ نبيل أديب هذا زواج كاثوليكي ما فيهو طلاق، اللهم إلا إذا رغب أحدهما في الانتحار، ونحر السودان معه، وأطرف متطرف في ضرورة نفي الآخر لو قُدر له أن يحكم هذه البلاد، لما وجد غير هذة الصيغة الماثلة الآن، فطالما أنها أصبحت قدراً مقدوراً على الجميع أن يقعدوا في (الواطا) ويؤمِّنوا على البرنامج الانتقالي المؤسس على هذه القناعة ويقوِّموه . وبما أن مبادرة دكتور حمدوك كانت أول من أشار إلى الخلافات (العسكرية ــ المدنية) بصورة رسمية، فيمكن أن تنشأ لجنة فرعية من آلية تلك المبادرة تضم عسكريين ومدنيين، لتضع هذه العلاقة على الطاولة، وتعيد تشريحها، وتزيل ما بها من تشوهات، لتخرج البلاد إلى بر الأمان بقيام حكومة مدنية منتخبة (ما تخُرِّش منها المية) مع وجود جيش مهني ضارب ومهاب يحمي الثغور ويحمي الديمقراطية في الوقت نفسه، فالله يرضى عليكم كفاية (كواريك)، فالبلاد ما ناقصة، فانتو في شنو وشرق السودان في شنو؟
Next Post
Comments are closed.