الرخصة الأخيرة

عبد اللطيف البوني

في بداية هذا الصيف؛ قرّرنا تجديد رخصتينا بتاعة القيادة، إذ كانت رخصة (الشيخ) عاطف هي الأخرى منتهية الصلاحية، أما مناسبة الأقواس لأن عاطف قاطع له طريقة من رأسه اسمها العاطفية الحسنية اليوسفية.

وصلنا مكان تجديد الرخص بسلام، بعد أن تجاوزنا نقطة الخلاف بيننا التي كانت فحواها هل هو في معيتي ام أنا في معيته؟، وشرعنا في إجراءات التجديد فكانت معاملة شرطة المرور في غاية الرقي والسلاسة، فتذكّرت ناس المرور في الشارع فأيقنت أن (بطن المرور مطرانة).

انتهت المعاملة في وقت وجيز، فنظر لي عاطف بزهو قائلاً: (مدد) ولكن المسؤول اعتذر لنا بلطف قائلاً: متأسفين ما عندنا ورق الرخصة؛ فالمصنع واقف، فمروا علينا بعد أيام. فنظرت لعاطف وقلت له: (قول واحد يا دجال)، وأدرجت كبوة المرور في خانة نقص القادرين على التمام.

.. بعد أكثر من أسبوعين، وصلتني الرخصة ووجدت أن صلاحيتها سوف تنتهي في مطلع 2027 فأدركت أنها آخر رخصة لي، لأنه ساعتها سأكون قد دخلت السبعينات وتوغلت فيها؛ ولن أكون قادراً على السواقة، هذا اذا لم أكن قد اتكلت وتحوّلت إلى بترول.. وبما أنها الرخصة الأخيرة سرحت فيها ورجعت لأول رخصة لي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، والتي استخرجتها صدفة من رفاعة بمساعدة صديقي الراحل المقيم إسحاق محمد الأمين؛ الذي كان يعمل ضابطاً إدارياً هناك، وكانت عبارة عن دفتر (نعم دفتر عديل كدا) أخضر، ثم تذكرت رخصة والدي محمد البوني رحمة الله تتنزّل على قبره الطاهر؛ والصادرة في عام 1948 وكانت من حديد (نعم حديدة عديل كدا)، ثم امعنت النظر في رخصتي الأخيرة فوجدتها في غاية الجمال والرشاقة والإبداع الفني، فحمدت الله أن السودان ورغم كل شيء في حالة تطور وفي حالة سعي لمجاراة العالم حوله، وتمنيت من كل قلبي أن تأتي مواعيد تجديد رخصتي القادمة ويكون المواطن السوداني قادراً على تجديد رخصته من منزله؛ وكذا كل أوراقه الثبوتية مثلما يحدث في العالم من حولنا.. فنحن يا صديقي سوف نرحل وفي أنفسنا هموم وتطلعات أجيال السودان الآتية من بعدنا.

* اللعوتة صيف 2022

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.