جلسة الكونجرس… هل ترفع أمريكا “العصا الغليظة” في وجه السودان؟

 

قالت مجلة الشؤون الخارجية “فورين أفيرز” في تقرير حديث بعنوان “فشل الخيال الأمريكي في السودان”، في إشارة للقراءة الخاطئة للأحداث، إنه ينبغي أن يكون لدى واشنطن إيمان أكبر بقوى الديمقراطية، في السودان، واعتبرت المجلة الأمريكية التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية، وهو خلية تفكير مستقلة متخصصة في السياسة الخارجية أنه عندما اجتاح المتظاهرون المناهضون للحكومة شوارع السودان في أواخر عام 2018 وأوائل عام 2019، فقد ساعدوا في تحقيق هدف طويل الأمد، لكن بعيد المنال للولايات المتحدة، يتمثل في سقوط رئيسها الفاسد والسلطوي، عمر البشير، بعد ثلاثة عقود من الحكم القمعي والحرب الأهلية شبه المستمرة.

من جانبها انتقدت الباحثة والناشطة السودانية، هالة الكارب، في مقال لها نشر  بصحيفة “فورين بوليسي” تعامل واشنطون مع الأزمة الحالية بالسودان، معتبرة في مقالها بعنوان “الصمت الأمريكي حيال السودان يسبب الصمم” أن المجتمع الدولي، آثر المكاسب الفورية على تحقيق ديمقراطية على المدى الطويل.

مكاسب فورية:

وأشارت الكاتبة الى أن تدخل المجتمع الدولي عقب الإطاحة بالحكم السابق، وإنهاء حكم أحد أقدم الديكتاتوريين في العالم، ومساعدة المجتمع الدولي في التوسط في اتفاق هش لتقاسم السلطة أسفر عن إنشاء مجلس سيادة يتألف من (11) عضواً يتألف من ممثلين عسكريين ومدنيين لقيادة التحول الديمقراطي في السودان، تجنب هذا الاتفاق عدم الاستقرار الفوري، لكنه ترك مطالب الناس بديمقراطية يقودها المدنيون دون معالجة.

واعتبرت الكاتبة أن المجتمع الدولي وقع في الخطأ ذاته بدعمه الاتفاق السياسي “اتفاق البرهان – حمدوك” في 25 أكتوبر 2021، عندما انقلب الجيش على السلطة بقيادة رئيس الوزراء المدني المعين، عبد الله حمدوك، وإلغاء الدستور قبل أسابيع من الموعد المقرر لنقل السلطة من القادة العسكريين إلى القادة المدنيين، تدخل المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، مرة أخرى، وأعطى الأولوية لاستقرار البلاد قصير المدى على الديمقراطية الدائمة.

معتبرة  أن استقالة حمدوك في الثاني من يناير، عقب اتفاق لم يحظَ بالقبول من قبل الأحزاب السياسية السودانية، أو المجتمع الدولي، لم تكن مفاجئة، بعد محاولات متكررة للتسوية مع الجيش، وقتل أكثر من (50) متظاهراً منذ الانقلاب، لقد ألقت هذه المحنة بمزيد من الشكوك حول آفاق الديمقراطية والسلام في السودان وقوضت ثقة الشعب السوداني في المجتمع الدولي.

وبحسب المقال فإن السودان يقف حالياً عند مفترق طرق مرة أخرى، وسيكون ما سيفعله المجتمع الدولي بعد ذلك أمراً بالغ الأهمية، على مدى عقود، أدانت الولايات المتحدة والجهات الفاعلة العالمية الأخرى جرائم الحرب الوحشية التي ارتكبها نظام البشير في دارفور وجبال النوبة، لكنها لم تفعل شيئاً يذكر لوقفها. كان للعقوبات واسعة النطاق على مستوى البلاد تأثير ضئيل أو معدوم على القيادة السودانية، لكنها أضرت بالمواطن العادي، مما أعطى البشير فرصة سهلة لأن السلع الأساسية والوصول إلى الموارد المالية كان بعيد المنال بالنسبة للكثيرين.

ويشير المقال إلى أنه في الوقت الذي هنأ فيه اللاعبون الدوليون أنفسهم على استعادة الاستقرار بعد انقلاب أكتوبر 2021، نظروا في الاتجاه الآخر حيث شن الجيش السوداني والميليشيات المسلحة حملة عنيفة ضد المتظاهرين السلميين؛ بحلول نهاية يناير، قُتل (72) متظاهراً على الأقل، واعتُقل مئات النشطاء في جميع أنحاء السودان، إضافة إلى أن هذا التقاعس شجع فصائل مسلحة على ارتكاب انتهاكات إنسانية دون الخوف من العواقب.

وبحسب المقال يوجد حالياً أكثر من (250) معتقلاً سياسياً موثقاً في منطقة العاصمة الخرطوم وحدها.

رسالة خطيرة:

ترى الكاتبة أن لدى أصدقاء السودان وحلفائه حالياً الفرصة، وكذلك يقع على عاتقهم واجب مساعدة البلاد على تغيير مسارها، يجب على السودان استعادة سيادة القانون والمجلس التشريعي للقوى المؤيدة للديمقراطية والسماح لحكومة انتقالية بقيادة البلاد إلى انتخابات نزيهة وحرة دون مزيد من التأخير، ولمساعدة السودانيين على تحقيق ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ الوقت الكافي للتعرف والتشاور مع وجهات النظر المتنوعة للأحزاب السياسية والنقابات العمالية والنساء والشباب الذين يشكلون المعارضة السودانية، منبهاً إلى أن عدم القيام بذلك من شأنه أن يبعث برسالة خطيرة إلى مجتمع لا يزال في حالة اضطراب.

ويشدد المقال على أنه لن تنجح أي وساطة بين الحركة السودانية المؤيدة للديمقراطية والجيش دون الإفراج عن السجناء السياسيين، وإنهاء الحملة التي ينظمها الجيش والمليشيات لقتل المدنيين في عموم البلاد، كذلك يجب أن تبدأ عملية نزع السلاح والتسريح فوراً جنباً إلى جنب مع إصلاح قطاع الأمن، من أجل استقرار السودان على المدى الطويل، يجب أن يعطي الانتقال في السودان الأولوية لعملية الحقيقة والمصالحة لمعالجة الاستقطاب في البلاد.

التقاطعات الجيوسياسية:

ويشير المقال إلى أنه لا يمكن أن تبدأ هذه العملية إلا عندما يتبنى الفاعلون الإقليميون والدوليون موقفاً موحداً يهدف إلى ضمان استقرار طويل المدى للسودان، بدلاً من مصالحهم قصيرة المدى، يجب أن تعكس جهود الوساطة عمق المشكلة وأبعادها الإقليمية. لقد اكتسب الجيش السوداني جرأة إلى حد كبير من خلال الشرعية التي تلقاها من اللاعبين الإقليميين مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، مصر، إسرائيل، المملكة العربية السعودية من خلال اتفاقيات إبراهام، والتحالف الذي يقاتل في الحرب الأهلية في اليمن، تحتاج هذه الدول إلى فهم القيمة الجيوستراتيجية والأمن الذي سيوفره السودان كدولة مستقرة وآمنة في الجوار، هنا يمكن للولايات المتحدة – وهي حليف وثيق لجميع البلدان المذكورة أعلاه – أن تكون مفيدة في عزل الجيش السوداني لإفساح المجال للقيادة المدنية السودانية الجديدة لتؤدي دورها بفاعلية.

اسئلة ملحة:

فيما تساءل موقع “justsecurity” الأمريكي المهتم بالعلاقات الخارجية للولايات المتحدة، في تقرير استباقي لجلسة الاستماع بالكونغرس الأمريكي لمناقشة الأوضاع بالسودان، تساءل عن مدى استعداد الولايات المتحدة لإعادة تشكيل سياستها نحو السودان، الخطوة التي اعتبرها أنها مطلوبة في الوقت الحالي.

وأشار الموقع إلى أن جلسة الاستماع هي مؤشر مرحب به على الإرادة السياسية في الكونجرس للضغط من أجل مثل هذا التحول. وأعرب كاتب التقرير عن أمله في أن تكون الخطوة أيضاً حافزاً لإدارة بايدن لتوائم أعمالها مع التزامها المعلن بالديمقراطية.

 وطرح التقرير عدة تساؤلات ملحة، مفترضاً أنه يجب أن تتضمنها الجلسة، بما في ذلك، هل تدعم إدارة بايدن مطالب المحتجين السودانيين بالحكم المدني الكامل لما تبقى من الفترة الانتقالية؟ إذا لم يكن الأمر كذلك ، فلم لا؟، ولماذا لم تصدر الإدارة بالفعل نظام عقوبات جديدًا للسودان؟.

لماذا لم تصدر الإدارة الأمريكية بالفعل نظام عقوبات جديد على السودان؟ ما هي السلبيات، إن وجدت، التي تراها الإدارة في معاقبة من قاد الانقلاب ودعمه، ومنهم الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو  “حميدتي”، وعبد الرحيم دقلو؟، ما هي الآليات التي وضعتها الإدارة لضمان أن يحظى ملف السودان  بالاهتمام الذي يستحقه، حتى عندما ترهق الأزمة في إثيوبيا الموارد البشرية والمالية الإقليمية؟.

وعلى حد تعبير الرئيس جو بايدن، “الديمقراطية لا تحدث بالصدفة، علينا الدفاع عنها، والقتال من أجلها، وتقويتها، وتجديدها “. فقد استغرق الأمر 10 أيام فقط عقب أن شن الجيش البورمي انقلاباً في فبراير 2021 ليصدر أمراً تنفيذياً يجيز فرض عقوبات ضد المسؤولين عن “الإجراءات أو السياسات التي تقوض العمليات أو المؤسسات الديمقراطية في بورما” أو المتواطئين فيها. واعتبر التقرير أنه ليس هناك ما يمنع الإدارة من إصدار أمر تنفيذي بشأن السودان.

وطالب التقرير بضرورة معاقبة من يقوض الديمقراطية السودانية، معتبراً أن أولئك الذين يخضعون للعقوبات قد يجدوا طرقاً لتقويض القيود، ولن يكون ضغط الولايات المتحدة فعالاً ما لم يتم تعزيزه بإجراءات متعددة الأطراف، سيما وأن الشعب السوداني يدفع بحياته حالياً من أجل تحقيق هدف الديمقراطية، وأقل ما يمكن فعله هو مواءمة سياسات الولايات المتحدة لدعمهم.

 وكانت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي “الكونغرس” قد ناقشت، مشروع قانون ينص على عقوبات تطال الشخصيات والجهات التي تعيق التحول المدني في السودان، وذلك بناء على تفويض الدفاع الوطني الأمريكي للعام المالي 2022 الذي أجيز قبل أكثر من شهر.

ووفقاً لمشروع القرار المقدم من السناتور الديمقراطي كريس كونز؛ رئيس اللجنة الفرعية لتخصيص اعتمادات العمليات الخارجية، وعضو لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس؛ ستفرض عقوبات على الجهات والشخصيات الفاعلة التي تعرقل الانتقال الديمقراطي بقيادة مدنية وتقوض السلام وحقوق الإنسان في السودان.

ويربط القانون تقديم أي مساعدات عسكرية للسودان بموافقة الحكومة المدنية ويحدد ثلاثة مجالات رئيسية للمساعدات تشمل تدريب الجيش المهني، وإصلاح الأجهزة الأمنية، ودعم متطلبات الترتيبات الأمنية المتعلقة باتفاق السلام السوداني الموقع في أكتوبر 2020.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.