يُشخِّصان ولا يعالجان

على الورق
يُشخِّصان ولا يعالجان
هرما قيادتنا مُغرمان بتشخيص أدوائنا وأزماتنا السياسية والاقتصادية والأمنية، وتصريحاتهما اليومية في الشأن العام – إن أحسنَّا تنسيقها وترتيبها – يمكنها تعبئة خزائن إرشيف دار الوثائق وكل أرففها وفترينات عرضها، وهما لا يكُفان عن وضع الأصبع على مواضع الوجع؛ لكنهما لا يملكان (مسكنات) لتخفيف آلام شعب يئن أنين مصدور، ولا فيتامين ك لإيقاف نزيف انكساراتها، ولا (مضادات حيوية) لعلاجها، بمعنى أنهما يفتقران لروشتة علاجية حاسمة، ولا يفتآن يبثان رسائل إعلامية صباح مساء لإخطارنا وتنبيهنا إلى ما ينسكب من دماء، وما يُزهق من أرواح في إقليم (تُقابة القرآن) الذي يقترب من لفظ أنفاسه الأخيرة والتحوُّل إلى جثة هامدة وإيداعها إلى ركام الجُثث التي تغص بها (الثلاجات الوطنية) العامة، ولإكرام الإقليم بعد مماته؛ سيُسجى في تابوت فخم مكسوٍّ بعلم الوطن، ثم يُقل على أكتاف جنود يمشون الهوينى على إيقاع موسيقى جنائزية إلى مقبرة الولايات، وسيتلقى التحية العسكرية.
موفٌقان و(شاطران) في التشخيص؛ لكن عدا التنبيه تعوزهما الضمادات و(بكرات العصب) اللازم لخياطة الجروح بصورة علمية مُتقنة تحقق والبُرء والشفاء التام، الجروح لا تلتئم، والأوجاع لا تزول، والعلاج يتمثل عادة في (تصريحات) إعلامية تستهدف توعية الرأي العام بالمخاطر المُحدقة به، وتحذيره من مغبة تهاونه بما يُعلنان، وبذلك فهما يعفيان نفسيهما من مسؤولية أي مضاعفات أو تداعيات تُنهك الشعب وتفتُّ في عضده، ويلزمنا إذن – والحالة الإعلامية هذه – التأكيد على أن كل ما يُدركه شعب السودان عن القائدين العظيمين اعترافهما بمعرفة مكامن الداء، أما العلاج النهائي فإن (صيدليات المجهول) كفيلة به، ونخشى أن تتماثل هذه التصريحات المموَّهة مع إعلان دولة كبرى أشار إليه مانغويل في قراءاته: “تعترف الحكومة الأمريكية عبر الصحافة أنها تملك بالفعل فرعاً للتضليل الإعلامي”!!، فهل تمارس قيادتنا ذات الفعل؟! ربما لأن (روشتة) العلاج الوحيدة والروتينية المتكررة مختزلة في مفردة (وفاق) واشتقاقاتها: اتفاق، توافق ونستل من قائمة التصريحات التشخيصية هذه:
– نحن مقبلون على مرحلة صعبة يجب إن كلنا نقدم فيها تنازلات من أجل البلد”.
– تدهور الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد.
– للحكومة رؤية لحل الأزمة الراهنة وفق أربعة محاور تشمل إطلاق عملية حوار شامل يضم جميع القوى السياسية والاجتماعية بالبلاد دون استثناء، عدا حزب المؤتمر الوطني.
– تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لقيادة متبقى الفترة الانتقالية وإجراء تعديلات علي الوثيقة الدستورية لتواكب متغيرات مشهد البلاد السياسي؛ والتأكيد على قيام انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.
– هناك تقصير من الدولة في تطويق أحداث كرينك وأحداث غرب دارفور.
– إن كل الأطراف المتورطة في أحداث غرب دارفور هم ضحايا لمخططات خبيثة أعدتها جهات معادية للسودان وتقوم بتنفيذها.
ألا يتفق معي قارئ واحد بأن واجبات القيادة عندنا وَمهماتها تتركز حول مسببات أزماتنا الشاملة، رغم أن قرار تجاوزها بأيديهم لا بأيدي غيرهم، ونحن نعلم أن نجاح أي حكومة يكمن في الفعل لا في القول، في التنفيذ لا في التشخيص، في القرارات الصارمة لا في الاقتراحات.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.