متشائمون وسوداويون ومنهزمون في بساط الوطن

بقلم/ إبراهيم الصافي الزعيم

حالة من التشاؤم غير مسبوقة في المشهد السوداني، نظرات سوداوية تسببت في تكوين عتمات داكنة بالعيون حاجبة للرؤية، عيون كل شرائح الشعب السوداني، أفراداً وجماعات، مُتعلِّمهم وجاهلهم، وزيرهم وخفيرهم، أستاذ الجامعة ومُعلِّم المرحلة الابتدائية، فيديوهات وشرائح كاسيت تزخر بها المواقع الإسفيرية تُبشرنا بأن السودان يتدحرج صوب الهاوية، إلى العدم، وسيخرج قريباً من جغرافية العالم، إنه يُباع الآن في سوق النخاسة وأبناؤه سماسرته في مزادات البيع! ولن يبقى منه إلا تاريخ يتلاعب في تدوينه مؤرخون من ذوي خلفيات فكرية متضادَّة ومتصادمة.

فلماذا هذه الروح الانهزامية؟ لماذا يريدون إحداث شروخ في دواخلنا؟ وإشعارنا بأننا سنصبح مواطنين بلا وطن؟ شذاذ آفاق نضرب في مناكب الأرض على غير هدى؟ ونرتضي لأنفسنا الذل والمهانة أينما اتجهنا؟ لماذا نتجاوب مع تحليلات المتشائمين ونُصدِّق رجمهم بالغيب؟ يقولون لنا بسخرية يجب أن تصدقوا، فالبلد بلا حكومة، وتخبط العشواء في سياساتها وبرامجها وخططها الاقتصادية، دولة مشدودة من الأطراف، تغيير ديموغرافي هائل، ثروات زراعية ومدنية وحيوانية وغابية تُسرق، أراضٍ تُنهب، عقول تُهجَّر، موانئ تُحرق، أمن يُستباح.. فأي بيِّنة أو دليل تريدون منا تقديمه لكم لإقناعكم بأن السفينة تترنَّح فعلاً وقريباً ستغرق؟ وأي (برهان) لديكم يؤكد على أننا متشائمون فقط وسوداويون؟.

لكن رغم كل هذه الكمية من القرائن المُحبطة، والرؤى المُثبطة؛ إلا أننا نثق في قُدرة عقلائنا وعلمائنا وحكمائنا على تجاوز هذه المحنة، وعلى إنقاذنا من هذا الوضع السياسي المِزري، وهذا التشظِّي الذي أوقعتنا فيه تجربة سياسية نيِّئة، غير ناضجة، مُندفعة ومتخبطة، تجربة ظلامية رمتنا بدائها العضال وهي تتشدق استكباراً بأنها المُنقذ، وأنها حادي ركبنا إلى غد مشرق زاه،ٍ إلى وطن آمنٍ قويٍّ مُهاب، ليتنا نُصدِّق!! فالشعب أوشك على فقدان ثقته في كل تجارب الحكم بشقيها المدني والعسكري، وأن ينعى إحساسه بوطنه وهو يتابع بأسى وغيظ (لعبة الكراسي) هذه!
ورغم وطأة الإحباط والإشفاق على وطن يتآكل؛ لعلنا نجد تسلية وراحة نفسية حين نطالع قول هرم الفكر والمنهج النازي في كتابه (كفاحي)، يقول الرجل: “إنما تخشى على سلامتها واستقلالها الأمم الضعيفة والمنحلة… وأن العقل والإدارة والتضحية والمثل العليا هي القوى التي تنشئ الدولة وتصونها، فالإنسان لا يقدم على التضحية بنفسه من أجل صفقة تجارية؛ لكنه يفعل ذلك من أجل فكرة أو مثل أعلى”.
فأي فكرة ومثل أعلى يحاولون دفع الشعب للتضحية من أجلهما؟! لا نظن أن في (التتريس) والمسيرات اليومية فكرة عليا ومثلاً رفيعًا.
لا نجد مشاحة في الاستشهاد بدكتاتور النازية إن كان في قوله ما يُشابه حالنا، ولا نخشى الاتهام بالولاء للدكتاتوريات، فالاتهامات الآن توزَّع كما الأنواط والنجوم النحاسية في السوق (النظامي الأسود)، يقول مؤلف (كفاحي) وهو يُبيِّن كيفية بناء وتنمية المشاعر الوطنية للجماهير: “إن تحويل الشعب إلى أمة خلاقة يستلزم قيام مجتمع سليم يعمل على تنشئة المواطن تنشئة وطنية، إذ لا يمكن أن يشعر بالاعتزاز بالوطن من لا يتعلم في البيت أو المدرسة حب الوطن، ويُقدِّر أمجاد وطنه في ميادين الفكر والسياسة والاقتصاد”.
خلاصة الأمر، إن المواطن لا يمكن حشده وتحريكه إلا من أجل تحقيق تطلعاته وطموحاته المتعلقة بتيسير سبل العيش والتعليم والصحة والحياة الآمنة والمستقرة، ولا يمكن أن يتفاعل ويدعم خططًا وبرامج وهو يجهل إلى أين يُساق؟ وماذا يجني في النهاية بعد أن تتغيَّر الأوضاع؟ ولن يشعر في الوقت نفسه بالطمأنينة وهناء العيش وهو دائمًا ما يتحسس متوجِّسًا (عُكازته) وربما مسدسه وهو في الطريق إلى المسجد أو المدرسة أو المعمل أو السوق أو مسافرًا بسيارته على طريق عابر.. والسؤال: متى نستعيد المباهاة بالانتماء الوطني والافتخار بالأصالة السودانية؟ متى يفيق أصحاب العقول الغائبة أو المُغيَّبة من غفوتهم ليحملوا وطنهم على أحداقهم وينافحوا عنه بمهجهم وأرواحهم؟ قريب بإذن الله.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.