استرداد ما ليس موجودًا ..

على الورق…إبراهيم الصافي

شارك الخبر

لماذا وصفوها بالحركة التصحيحية؟ لأنها تصحيح لبلوى ابتُلي بها المواطن السوداني، ولمحنة أخرجته من الظل إلى الرمض، من العز إلى الذل. من الهيبة إلى الخيبة، من تمكين إلى آخر أعتى وأشد قبضة، من استبداد إلى أعنف منه، ثلاث سنوات عجاف أكلن ما قدمته الإنقاذ، أهلكت الزرع وجفَّفت الضرع، وأحالت الأسعار دولارًا، وما كان بناءً سليمًا أضحى حطيمًا.
نعلم أن ما يخرج من المشكاة هو الضياء، بينما يخرج التآمر من جوف الظلام، لكن أليس الليل والنهار قرينين؟ أولًا يخرج النهار من الليل؟ “وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ”، ثم أليسا ملتحمين فإذا مُحيَ الليل أبصر النهار: “وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَالنَّهَارِ مُبْصِرَةً”
مصطلح: “استرداد مسار التحول المدني الديمقراطي” مصطلح خاطئ تمامًا، فكيف يُسترد ما لم يكن موجودًا أصلًا، وهو في مضمونه وكنهه لا يعدو أن يكون دعوة مموَّهة تستبطن العودة إلى ما كانت عليه الحال قبل ٢٥ أكتوبر؛ إلا إذا أردنا تسمية الأشياء بغير مدلولاتها، ونُبيِّن أن حقبة الانتقالية تُعدُّ مسار تحوُّل ديموقراطي، حقيقة لم تكن هي كذلك؛ لأنها لم تُجسد مضمون أو مفهوم الاصطلاح؛ بل كانت طاغوتًا بحق حين عوَّلت على تطبيق قوانين (حمورابية).
وللمطالبين بتحقيق مطالب ثورة ديسمبر المجيدة؛ تؤكد الوقائع أن أول من خانها مختطفوها، وشعارات الثلاثة: (حرية، سلام، عدالة) كانت مجرد بالون انتفخ فارتفع، ثم تخرَّم فوقع، شعار لم يتجاوز ضجيج الحناجر؛ بل انعكست دلالاته سلبًا، فاستحالت الحرية استبدادًا، والسلام فوضى، والعدالة ظُلمًا.. ولم برفع الثوار على الإطلاق شعار المثلية، وما سمعنا لهم مطالبة بالتوقيع على (سيداو)، ولا نداءً بإلغاء قانون الأحوال الشخصية، ولا تضمنت هتافاتهم تصفية منظمة الدعوة الإسلامية، ولا إلغاء جمعية القرآن الكريم، ولا تعطيل رفع الأذان على شاشة الفضائية القومية، وكذب من زعم أنهم طالبوا خلال أيام الاعتصام بتفكيك الجيش وإعادة هيكلته، بل لم يتوقعوا انهيارًا مريعًا للعملة المحلية، لأن ثورتهم اندلعت أساسًا احتجاجًا على التضخم والفساد، وعلى استئثار المركز بثروات الهامش.
إن الاستعانة بالمعتدي الخارجي، واستجداءه للمساعدة على إزالة ما استجد من مواقف تصحيحية؛ يدخلانهما في صُلب الخيانة والعمالة، التصحيح أيده الشعب وصفق له وهلَّل، عدا قلَّة أمضَّتها الحسرة من خسارة خيلها في مضمار السلطة، وغمرها الأسف على ضياع فرصة مواتية لتنفيذ أجندة مستترة تحت شعارات وطنية زائفة، ٍفإذا كانت الاستعانة بالمعتدي الخارجي مطيَّة للوصول إلى مقاعد السلطة، مسنودة بزعم كاذب، أو الإيهام بأن هذه هي إرادة الشارع؛ فإن وعي حماة الوطن يجب أن يكون حاضرًا وردَّة فعلهم سريعة ومباشرة فيما يتعلق بتصحيح ما هو كائن، أو الانقلاب عليه، فمصطلح الانقلاب هنا ليس شائنًا ولا معيبًا، فعندما تتسع مساحة الإظلام، والتسلط، و(الشيطنة)، والافتئات على الأبرياء، وتُبلل تربة الوطن رائحة فساد تزكم الأنوف؛ فيلزم قلبها رأسًا على عقب، وجعل عاليها سافلها. أما إذا تهاونت قوى دفاع الوطن مع أصوات تستدعي الأجنبي، وتلوذ بمؤسساته، وغضَّت الطرف عن (لُعاب) المتهافتين إلى السلطة رضوخًا أو تماهيًا مع ضغوط خارجية؛ فهي إذن ومناوئوها سيان في امتهان قُدسية الوطن؛ ويجب أن يغادرا الساحة بأيدٍ متشابكة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.